واشنطن أخطأت بتجاهلها الأزمة الصومالية، والإعلام الأميركي ينتقص من دور الأمم المتحدة، ومهام صعبة في عراق ما بعد الزرقاوي، ومخاوف من تأجيل البت في الملف النووي الإيراني للإدارة الأميركية المقبلة... موضوعات نعرض لها ضمن إطلالة أسبوعية موجزة على الصحافة الأميركية.

الخطأ الأميركي في الصومال:

تحت عنوان "الصومال ثانية... من الواضح الآن أن الولايات المتحدة أخطأت بتخليها عن عملية بناء الدولة"، خصصت "واشنطن بوست" افتتاحيتها يوم الخميس الماضي، لترصد أجواء الاضطراب الذي تشهده مقديشو. الصحفية أشارت إلى أن إدارة الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون أوقفت قبل 12 عاماً جهود واشنطن في عملية بناء الدولة بالصومال، حيث قررت سحب القوات الأميركية بعد تعرض إدارته لسيل من الانتقادات، خاصة من قبل "الجمهوريين" الذين قالوا وقتها إنه لا توجد لدى أميركا مصلحة في فرض النظام بدولة فاشلة في القرن الأفريقي. الآن تحصد إدارة بوش النتائج السلبية المترتبة على الانسحاب الأميركي؛ فثمة حركة إسلامية يشتبه في علاقتها بـ"القاعدة" تسيطر الآن على العاصمة الصومالية. وعلى شاكلة نظام "طالبان" في أفغانستان، تمكنت هذه الحركة من هزيمة أمراء الحرب -الذين يحصل بعضهم على دعم أميركي- وقوبلت الحركة بترحيب من الصوماليين التواقين للأمن والاستقرار. وحسب الصحيفة، لم يتبق شيء سوى أن تفرض "المحاكم الإسلامية" هيمنتها على الصومال وتدشن نظاماً على الطريقة "الطالبانية"، أو أن تحمي مقاتلي "القاعدة"، لكن إدارة بوش أخطأت أيضاً عندما قامت بدعم أمراء الحرب في الصومال بدلاً من أن تمول عملية إعادة الاعمار. قادة "المحاكم الإسلامية" أرسلوا خطاباً للإدارة الأميركية أوضحوا خلاله أنهم لا يرغبون في معاداة الولايات المتحدة، كما أبدت الحكومة الانتقالية رغبتها في إجراء مفاوضات مع القوة الجديدة المسيطرة على مقديشو، مما يشكل فرصة أمام الولايات المتحدة والدول الأفريقية لدعم استقرار الصومال بعملية سياسية تتضمن حزمة من المهام كضخ المساعدات الغربية لإعادة الإعمار على أن تتزامن المساعدات مع طرد المقاتلين الأجانب. لكن على القوى الإسلامية بمقديشو أن تتذكر التجربة الأفغانية؛ المتمثلة في أنه بالإضافة إلى الحوار وعودة الاهتمام الأميركي بالصومال، عليها إدراك أن إدارة بوش لن تتسامح مع أي نظام يؤوي مقاتلي "القاعدة".

انتقادات في محلها:

خصصت "لوس أنجلوس تايمز" افتتاحيتها يوم أمس الأحد للتعليق على الانتقادات التي وجهها نائب أمين عام الأمم المتحدة "مارك مالوش براون" إلى واشنطن، خاصة وأن الولايات المتحدة تتعامل مع المنظمة الدولية في مناطق شتى من العالم بدءاً من لبنان والقضية الفلسطينية إلى أفغانستان وسوريا وإيران، لكن الرأي العام الأميركي لا يعرف أو لا يتفهم ارتباط واشنطن بالأمم المتحدة، بسبب وجود أصوات عالية داخل الولايات المتحدة تنتقص من قدر الأمم المتحدة، لاسيما شبكة "فوكس نيوز" الإخبارية، و"رش ليمبف" أشهر مقدم برامج إذاعية في أميركا. الصحيفة ترى أنه على الرغم من انتقادات "مارك براون" اللاذعة، فإن هدفها الإشارة إلى أن ساسة أميركا لا يبرزون العلاقة بين بلادهم والأمم المتحدة، وذلك على الرغم من أن الطرفين يعملان سوياً لحل قضايا العالم. الصحيفة ترى أن ثمة علاقات متضاربة بين الأمم المتحدة والأميركيين، فالمنظمة الدولية بدأت عقب الحرب العالمية الثانية كمشروع أميركي، لكن الأميركيين متشككون فيها، والآن يأتي الإعلام الأميركي ليعزز هذه الشكوك، واللافت أيضاً أنه رغم اعتماد إدارة بوش على المنظمة الدولية كشرطي عالمي يضفي شرعية على سياسة أميركا الخارجية، فإن هذه الإدارة ترفض الدفاع عن الأمم المتحدة.

عراق ما بعد الزرقاوي:

في افتتاحيتها ليوم الجمعة الماضي، وتحت عنوان "ما تبقى من مهام في العراق بعد الزرقاوي"، رأت أن مقتل "أبومصعب الزرقاوي" زعيم تنظيم "القاعدة" ببلاد الرافدين يعد نجاحاً باهراً حققته الولايات المتحدة في إطار هدفها الرامي إلى طرد "القاعدة" من العراق ومنع التنظيم من محاولة شن هجمات إرهابية داخل الأراضي الأميركية. وحسب الصحيفة، فإن فكرة "القاعدة" المتمثلة في تدشين دولة إسلامية بالعراق، قد تلاشت جراء تحول بلاد الرافدين -ولو ببطء شديد- في اتجاه تشكيل حكومة عراقية منتخبة ودستورية. الصحيفة طالبت الحكومة العراقية الجديدة بتكثيف جهودها لدحر المتمردين السُّنة وتفكيك الميليشيات الشيعية، وإلا تداعت هذه الحكومة. كما أن التحالف السياسي الذي تقوم عليه هذه الحكومة قد يتداعى أيضاً ما لم يتم تجاوز المشكلات الشائكة المتعلقة بإعادة صياغة الدستور العراقي الجديد، خاصة ما يتعلق بتوزيع الثروة النفطية. وبالإضافة إلى ذلك ثمة مهام لم تحسم بعد كتوفير الطاقة الكهربائية وحسم دور الشريعة الإسلامية في الحكم.

"مقتل إرهابي":

هكذا عنونت "نيويورك تايمز" افتتاحيتها يوم الجمعة الماضي، مشيرة إلى أن الأردني أبو مصعب الزرقاوي لعب دوراً رئيسياً في نشر الإرهاب داخل العراق، وبث روح الكراهية بين الطوائف والاثنيات في بلاد الرافدين، وذلك على الرغم أن واشنطن بدت وكأنها تضخم من أهمية الزرقاوي كي توجد عدواً محدداً تصرف به الانتباه عن التمرد الذي يشارك فيه عراقيون. وحسب الصحيفة، ساءت علاقات الزرقاوي مع العراقيين قادة التمرد، وأيضاً مع القيادات العليا في "القاعدة" المحيطة بابن لادن، لكن ظروف قتله قد تبدد الخلافات داخل "التنظيم" من أجل تدشين الزرقاوي "شهيداً مفيداً"، ومن ثم سيتضرر العراق، لبعض الوقت بذكرى هذا الرجل.

"العقرب النووي الإيراني":

اختار "فيكتور ديفيد هانسون" هذه العبارة عنواناً لمقاله المنشور يوم أول من أمس السبت في صحيفة "واشنطن تايمز"، طارحاً التساؤل التالي: لماذا غيرت واشنطن موقفها فجأة ووافقت على إجراء مفاوضات مباشرة مع الإيرانيين حول برنامجهم النووي؟ "هانسون"، وهو كاتب عمود أسبوعي في الصحيفة، يرى أن ثمة أسباباً قليلة تقف وراء الموقف الأميركي الجديد، منها أن الولايات المتحدة الآن في عام انتخابي، فانتخابات الكونجرس النصفية ستجري في الخريف المقبل، والمزاح الأميركي في حالة لا تسمح بإثارة مزيد من العداوات في الشرق الأوسط. لكن إذا كانت القنبلة النووية الإيرانية تشكل تهديداً للأمن الإقليمي، وتشكل كابوساً للغرب، فلماذا رفض الأميركيون والإيرانيون الجلوس معاً على طاولة المفاوضات؟ الكاتب يرى أن كلاً من طهران وواشنطن تعتقد أن الوقت الذي يمر لصالحهما، فطهران تعتبر الحوار مع واشنطن أداة تحول دون تعرضها للتهديد بضربة عسكرية أو عقوبات أممية، لكن في الحقيقة أنه بعد أن يترك الرئيس بوش البيت الأبيض، سيتعامل الرئيس الأميركي المقبل مع الطموحات النووية الإيرانية، بالطريقة ذاتها التي تعاملت بها الإدارة الأميركية في التسعينيات مع الطموحات النووية الباكستانية، أي بطريقة إلقاء مزيد من الخطب دون القيام بفعل حقيقي.