الهرم بكسر الهاء وفتح الراء هو الشيخوخة واضمحلال القوة والدور.

والهرم بفتح الهاء والراء هو الشكل المثلث ذو القاعدة العريضة والقمة الصغيرة وانا استخدمه في مقالي بهذا المعنى مرة وبمعناه الذي يتطرق للذهن مرة أخرى وهو هرم خوفو الذي يبلغ ارتفاعه 138 مترا.

على مدى الأشهر الماضية توقفت عن الكتابة مكتفيا بمتابعة ما يحدث على الساحة السياسية الاجتماعية في مصر. وبعد هذه المدة وجدتني مدفوعا برغبة عارمة للكتابة تحت هذا العنوان.

وبداية اعتذر لكم عن القول بأن مصر هرمت فأنا هنا لا اعني ابدا مصر ذات الحضارة الضاربة بجذورها في القدم ولا مصر قاهرة الهكسوس والتتار والصليبيين ولا مصر ام العرب مؤسسة الجامعة العربية ولا مصر التي شرفها الله بذكرها في القرآن خمس مرات لان مصر هذه لا تهرم. فحضارتها التي منشؤها الانسان بقيمه الروحية لا تهرم مثلما حدث للروم والفرس ثم لبريطانيا العظمى وفرنسا ثم للاتحاد السوفياتي وما سيحدث للولايات المتحدة فكلهم اقاموا حضاراتهم على بعد مادي فقط قد ينتهي أو حتى يذبل، بل اعني - وللاسف مصر مبارك - واقول للأسف لأني ارفض عبارة مصر مبارك التي تختزل دولة بحجم مصر في شخص مهما كانت شخصيته فهي اكبر، وأي شخص اصغر من هذا الاختزال. والغريب انني لم اسمع بأية دولة أخرى في العالم تنسب لرئيسها مهما صغرت أو كبرت لا في العالم الغربي المتقدم ولا في العالم النامي المتخلف، لا عربية ولا اسلامية ولا حتى افريقية رغم ان بعض رؤساء الدول هذه حققوا لها ما يصح معه نسبتها الى اسمه.

لكن دعوني استخدم هذا التعبير في هذا المقال لتصل فكرتي التي أراها واضحة في هرم مصر (بكسر الهاء)، فأنت تشعر الآن انها كبرت كثيرا واضمحلت قواها وهانت ولم يعد لها تأثير في أي المجالات الدولية سياسيا واقتصاديا وحتى رياضيا. فبعد الفشل الذريع في استضافة كأس العالم للكرة عادت لتتفاخر بأنها فازت بتنظيم الدورة العربية 2007 وهي دورة لا يشعر بها أحد وكان الأولى ان تترك تنظيمها للبنان أو لسوريا اللتين تنافستا معها على التنظيم فهي أفيد لهما. ولكن يبدو ان غياب الانجاز في أي مجال دعاها للتسابق مع الشقيقتين العربيتين على ذلك التنظيم، وما رفض الدول الافريقية لمنح مصر كرسيا دائما في مجلس الأمن الا تعبير عن تراجع الدور الذي تحاول ان تلملمه فسعت للمشاركة في تجمع دول ا لساحل والصحراء الذي قادته ليبيا، ولم يعد لها دور إلا في محاولة الضغط على «حماس» التي نجحت في انتخابات حرة نزيهة لم نعرفها في مصر في محاولة لخنق حماس ولافشال تجربة حكم اسلامي وليد لئلا يفكر احد في نقل التجربة أو حتى الحلم بها في مصر، ودارت عجلة الزمن فبعد ان كانت العدوى السياسية تنقل من مصر في أي تجربة سياسية صارت هي التي تخشى آثار أي عدوى من هذا النوع.

المصريون صاروا ستة فرق

مصر صارت فرقا ومجموعات أولها فريق تقوده قمة الهرم بهدف واحد لن تحيد عن ما فعلت من اجله الافاعيل وهو نقل الحكم للابن، غيرت من اجله وزارات واطاحت برموز واعتقلت رموزا وضربت صحفيين وسحلت قضاة وزورت انتخابات وملأت المعتقلات ولا يزال المسلسل مستمرا، هذا الفريق يضم اعدادا من الصحفيين الذين وضعوا في غمضة عين على رأس مؤسسات صحفية لم تكن لهم فصار واجبا عليهم تسديد الدين ودفع الفاتورة، معهم رجال اعمال دفعوا بسخاء في انتخابات سياسية رئاسية وبرلمانية لانفسهم ولغيرهم ولهم ان يأخذوا الثمن ولو من اموال البسطاء ومن قلب مصر، يعضدهم جيش أمني جرار من قوات الأمن المركزي ومكافحة الارهاب للقبض والضرب والسحل وانتهاك الاعراض والتحرش الجنسي والاعتقال وهي مهمات بعضها جديد على الدور الأمني لكن كله يهون من اجل التوريث.

ثاني الفرق مجموعة من الصحفيين والكتاب اصحاب قلم حر يكتب عن كل ما يراه ولم يعد يخاف وبعد ان كانت انتقاداته واسهمه توجه لنحر الحكومات والوزراء صارت توجه لقمة السلطة بلا هوادة، وللأسف يظل كلامهم حبيس صحفهم ودون تأثير واضح الا على القلة المثقفة أو القارئة في زمن طحن الفقر والعوز الملايين ممن يسعون للقمة العيش فلا يجدونها، هذا الفريق قدم بعضهم تضحيات منهم من اختفى كرضا هلال ومنهم من جرد من ملابسه كعبد الحليم قنديل ومن قبله جمال بدوي ومنهم من سيحاكم مثل الابراشي.

الفريق الثالث هو الذي لم نعتد على دوره في الثلاثين عاما الأخيرة وهم القضاة واساتذة الجامعات والذين وقفوا وقفة رائعة وكشفوا التزوير في الانتخابات، ولكن اخشى ان يتقلص دورهم عند المطالبة بقانونهم فقط وتكون الاستجابة لمطالبهم عودة لاختفاء دورهم، كما انهم يعانون من وجود بعض اصحاب المصالح وهذه طبيعة اي فئة في العالم.

الفريق الرابع وهو الأهم بالنسبة لي الا وهو حركة «كفاية» وشبابها من الجنسين الذين يقدمون اروع الامثلة في حب مصر، الراغبون في غد افضل لهم، ولا مصلحة شخصية أو فئوية لهم، بل كل مطالبهم كفاية، حرام، فتيات تنتهك اعراضهن ويتحرش بهن جنسيا في أكثر من مناسبة ولا يأبهن الا بمصلحة مصر وكأنهن يقاومن محتلا اجنبيا كالانجليز قبل عام 52. وصار الناس يعرفون عبير العسكري ومحمد الشرقاوي وغيرهما من ابطال شباب مصر، وهذا الفريق هو الذي بعث الحيوية في الحياة السياسية في الآونة الأخيرة، ولكن اخشى عليه من سلبية الآباء والأمهات ومن فتور الحماس مع الضرب والتعذيب، ومن عدم انضمام عناصر جديدة لهم، لكن يقيني انهم لن يبيعوا القضية.

الفريق الخامس «الاخوان المسلمون» الذين وقف الكل خلفهم الا دعاة التنوير الذين خافوا على مناصبهم وعلى كباريهات شارع الهرم والفيديو كليب من سيطرة الاخوان على البرلمان وتشكيل حكومة، الاخوان ربما لن يحققوا أكثر من اثارة القضايا لان الغالبية في البرلمان جاءت على اسنة رماح التزوير فلن تنبس لها شفة في المطالبة باي حق من حقوق الشعب، ومن ثم تراجعت الآمال المعقودة على الاخوان لهذا يحاولون الانضمام إلى جهود «كفاية» والقضاة في تجمعاتهم ومطالبهم ويدفعون الثمن من اعتقالات وتعذيب للعشرات بل المئات والألوف من زملائهم، كما ان الصحف المأجورة والحكومية تنجح كل فترة وأخرى في إثارة فزاعة الاخوان لدى المغلوبين على امرهم بل ولدى الاقباط ولدى الأميركان فلا أمل في الإخوان في المدى القريب.

أما الفريق السادس وهو الأكثر أهمية فهو الأكثر سلبية وهو القطاعات الكبيرة من المواطنين الذين تشعر أنهم مغيبون عن الساحة أو أنهم ينتظرون الفرج من بعيد، فلا وظائف في ظل البطالة، ولا عقود عمل في الخارج، ولا شقق، ولا زواج، ولا دور في المجتمع، بجانب تزوير ارادتهم في جميع الانتخابات، بجانب الفساد الذي يزكم الانوف، بجانب الواسطة المستشرية في كل جوانب الحياة في مصر، بجانب المليارات المنهوبة والمهربة للخارج، ورغم ذلك لا تجد لهم همسا، اين هم؟ هل غرقوا جميعا في الزواج العرفي؟ وفي تناول المخدرات؟ وفي مباريات الكرة؟ وفي الفيديو كليبات؟ وفي الفياغرا؟ متى يتحركون؟ ومن القادر على بعث الحياة فيهم؟ فلا زيادة اسعار ولا اختفاء السلع ولا بيع الشركات وخصخصتها وتشريد العمال، فماذا سيحركهم؟ هل ينتظرون جيشا مثل 52‚‚. هيهات؟ هل ينتظرون أميركا... هيهات؟

ان النظام الحاكم في مصر أخذ من الهرم شكله فقط ولكن تركزت كل السلطة في القمة والقمة فقط بل ورأس القمة، فواقع الأمر ان مجلس الوزراء لا دخل له بالسياسات الخارجية ولا حتى الداخلية، ومجلس الشعب يصفق، ومجلس الشورى يتمسك رئيسه ببصيص الأمل في ان يظل في النور، والاحزاب بما فيها «الوطني» الحاكم لا وجود لها، ومنظمات المجتمع المدني لا اتصال حقيقيا لها بالجماهير، وحتى نقابتا الصحفيين والمحامين تكاد تمزقهم الخلافات الداخلية وتشغلهم مطالبهم الفئوية، النظام اخذ من الهرم جموده ولم يأخذ منه قوته وصلابته فهو سرعان ما يقول آمين ملبيا كل طلبات أميركا وإسرائيل، أما مطالب شعبه فأذن من طين وثانية من عجين.

وبعد، فاذا كان النظام في مصر اصابه الهرم بكسر الهاء وتجمد في مكانه كالهرم بفتح الهاء فماذا اصاب الشعب وماذا اصاب مصر؟ اللهم اجعله