ربما لم يدر في خلد آبائنا واجدادنا الذين حملوا رايات النضال والجهاد والتضحيات على امتداد القرن الماضي ان تصل الاوضاع الفلسطينية في مواجهة المشروع الصهيوني الاستعماري الاستيطاني الاقتلاعي الالغائي الجارف الى ما وصلت اليه اليوم ونحن ما زلنا نحيي الذكرى الثامنة والخمسين للنكبة واقامة الدولة الصهيونية من جهة اولى.. وفي ظل هذه الحملة الحربية الاحتلالية الشاملة ضد الشعب الفلسطيني من جهة ثانية، وربما لم يأت حتى في حسابات وكوابيس واحلام الاجيال المتعاقبة من ابناء الشعب الفلسطيني ان تدب الفوضى الشاملة وان تتهدد الصراعات والخلافات الفلسطينية الداخلية المشروع الوطني التحرري الفلسطيني برمته حتى قبل ان يتم تحرير شبر واحد من ارض الوطن.. بل وفي ظل جحيم الاغتيالات والمجازر الصهيونية المفتوحة؟، التجارب النضالية والتحررية التاريخية للشعوب الاخرى تفيد ان تلك الشعوب لم تكن لتقطف تحرير اوطانها من الاحتلالات الا بعد نجاحها اولا في تشكيل جبهات واسعة عريضة ووحدة وطنية متماسكة.

يبدو ان درس البديهيات النضالية التحررية لم يلتقط فلسطينيا مع بالغ الاسف حتى اليوم؟، هناك جملة حقائق كبير صارخة تحث الفلسطينيين على اعتماد لغة الحوار والتفاهم والوفاق والتوافق الوطني كلغة وحيدة لحل الصراعات والخلافات المحتدمة: الحقيقة الكبيرة الاولى الماثلة امام الجميع ان فلسطين تواجه في هذه المرحلة اجتياحا صهيونيا بلدوزريا تجريفيا هو الاخطر منذ النكبة يستهدف النيل من الحقوق والتطلعات والاهداف الوطنية الفلسطينية الى ابد الآبدين، والحقيقة الساطعة الثانية انه ليس واردا في استراتيجيات الدولة الصهيونية لا تكتيكيا ولا استراتيجيا اي اعتبار او احترام او ندية لا مع السلطة ولا مع الحكومة.

والحقيقة الكبيرة الثالثة ان تلك المخططات والخرائط الاحتلالية لا تشتمل عمليا - كما يريد الاحتلال - الا على هياكل سلطة تقوم بدور الوكيل الامني للاحتلال والشاويش داخل المعتقلات - الغيتوات - الفلسطينية الامر الذي فشل الاحتلال في تحقيقه حتى اللحظة.

والحقيقة الكبيرة الرابعة ان الدولة الفلسطينية الموعودة.. دولة خريطة الطريق ما تزال على الورق وفي الخريطة فقط ولكنها مع وقف التنفيذ وان اعلنت في اي وقت من الاوقات في المستقبل فانها لن تكون سوى دولة خريطة الطريق وربما وهذا الارجح دولة خطة الانفصال والتجميع او الانطواء وستكون بمضامين ومواصفات الخريطة او الانفصال والتجميع.. اي دولة فلسطينية مستقلة بسيادة اسرائيلية او امريكية - سيان - كاملة؟، والحقيقة الكبيرة الخامسة ان هناك في هذه المرحلة تفاهما وتعاونا وتحالفا ما بين الادارتين الامريكية والاسرائيلية والاجندة السياسية الامنية الامريكية في فلسطين والعراق وعلى امتداد مساحة العرب هي الاجندة الاسرائيلية ذاتها، والحقيقة السادسة الاكبر والانصع ان مشروع الاحتلال يجري تطبيقه على الارض الفلسطينية على مدار الساعة دون الالتفات الى الفلسطينيين والعرب او الى المجتمع الدولي وان الاحتلال يسابق الزمن في بناء وتكريس حقائق الامر الواقع الاستيطاني التهويدي في القدس وانحاء الضفة من جهة ، في الوقت الذي يواصل فيه اقصاء الفلسطينيين رئاسة وحكومة وشريكا وشعبا له قضية وووجود وحقوق راسخة.

لكل هذه الحقائق الكبيرة الخطيرة وغيرها الكثير.. فانه لمن بالغ الدهشة والغرابة الاستنكارية ان نتابع الصراعات والخلافات الفلسطينية - الفلسطينية في الوقت الذي تحتاج فيه المصالح الوطنية الفلسطينية العليا كل الحاجة الى تفاهم ووفاق وطني عريض في مواجهة مشروع الاحتلال؟، - فلماذا تدب وتتصاعد وتتفاقم كل هذه الخلافات والصراعات الفلسطينية الداخلية في هذه المرحلة التي تعتبر الاصعب والاشد خطورة على القضية في ظل هجوم البلدوزر؟، - ولصالح من؟، - ولماذا ينشغلون بالحسابت الداخلية بدلا من الانشغال بالاحتلال وجرائمه؟، - واية مغانم سياسية اوغيرها وعلى اي سلطة يتنازعون وعلى اية صلاحيات لا يملكونها بالاصل؟، - فمن يتحمل المسؤولية الوطنية والتاريخية في نهاية الامر؟، - ولماذا لا يستفيق الجميع هناك لادراك المخاطر المرعبة المتربصة بالقضية والحقوق والجميع؟، - ولماذا لا يرتقي الجميع الى مستوى نبض الشارع الوطني والاهداف الوطنية العليا؟، الجميع يقرأ مخططات وخرائط الاحتلال والجميع يتابع تحركاته باستكانة مرعبة،

الغريب ان الحركة الوطنية الفلسطينية هي الاطول والاهم والاوسع خبرة ودراية في تاريخ المنطقة والقيادات التاريخية الفلسطينية لكل الفصائل كبيرة مخضرمة مجربة وهي الاكثر والاعمق تجارب وخبرة من غيرها.. ورغم كل ذلك نراها تنجرف في الآونة الاخيرة وراء التجاذبات والصراعات التي من شأنها ان هي استمرت ان تودي بالجميع الى التدمير الذاتي بدلا من التفاهم والوفاق الوطني؟، ولكن لصالح مشروع الاحتلال وتكريسه بدلا من مواجهته وتفكيكه؟، الاحتلال يراقب ويتابع ويتربص واصابعه تلعب في كل مكان.. وبلدوزر الاحتلال والارهاب والتهويد يهدر بلا توقف.. ومبضع الاحتلال يعمل في الجسم الفلسطيني على مدار الساعة.

الا تشكل هذه الحقيقة المرعبة قاسما وجامعا بين كافة القوى والفصائل الفلسطينية لتقف وراء خطة واجندة سياسية واحدة وتأجيل صراعات ومواجهات السلطة والمواقع والمصالح الفئوية الى ما بعد اقامة الدولة السيادية على الارض؟،