مع قيام ما يسمى "اللقاء الوطني اللبناني" الذي يضم معظم من تبقى من حلفاء سوريا في لبنان وبالتنسيق مع "التيار الوطني الحر" و"حزب الله" فان اول ما يستهدفه هذا اللقاء هو الحكومة ومجلس النواب بحيث اعلن ان الجهد الاساسي سينصب على اسقاط الحكومة التي يصفها بـ"الفئوية" لتأليف حكومة وحدة وطنية وتقصير ولاية المجلس من اجل اجراء انتخابات نيابية مبكرة على اساس قانون عادل ومتوازن يؤمن التمثيل الصحيح لشتى فئات الشعب.

وقد تساءل النائب سمير فرنجيه من قوى 14 آذار لماذا لم يفكر هؤلاء بتأليف حكومة وحدة وطنية مدة 15 سنة من عهد الوصاية السورية، ولا حتى خلال العهد الحالي، بل كانت معظم الحكومات التي تشكلت من لون واحد. اضف الى ذلك ان معظم من جمعهم هذا "اللقاء كانوا في السلطة لفترة طويلة وقد جربهم الناس وخبروا كفاياتهم والخدمات التي ادوها للوطن، وكانت النتيجة ان حكومة الرئيس كرامي اسقطت تحت ضغط الشارع، وما سمي في حينه "ثورة الدواليب" احتجاجا على هبوط قيمة الليرة امام الدولار، وسقطت حكومته مرة اخرى تحت ضغط الشارع وغضب الشعب استنكارا لاغتيال الرئيس الحريري ورفاقه".

الواقع، وكما بات معلوما من الجميع ان سوريا هي التي اعطت الاشارة الى حلفائها في هذا اللقاء لكي يعملوا على اسقاط الحكومة وتقصير ولاية مجلس النواب في التوقيت المناسب الذي تحدده لهم. وقد يكون هذا التوقيت مرتبطا بنتائج التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس الحريري في ظل ما تضمنه تقرير رئيس لجنة التحقيق سيرج برامرتس او في ضوء نتائج المحادثات الاميركية – الايرانية.

اما كيف السبيل الى اسقاط الحكومة وهي تتمتع بثقة الاكثرية النيابية وكذلك تقصير ولاية مجلس النواب فان بعض اعضاء "اللقاء الوطني اللبناني" يعتقدون ان وزراء "حزب الله" وحركة "امل" والمحسوبين على الرئيس لحود في الحكومة اذا ما قرروا الانسحاب منها، فانها تصبح مستقيلة حكما، وان ما يبرر هذا الانسحاب هو احد الاسباب الآتية:

اولا: الخلاف على "الاستراتيجية الدفاعية" التي تهم بصورة خاصة "حزب الله".

ثانيا: الخلاف على البرنامج الاصلاحي عند طرحه على مجلس الوزراء وعدم التوصل الى اتفاق على معظم بنوده لا سيما تلك التي تتعلق بالاصلاحات المالية والضريبية والادارية.

ثالثا: انفجار المشاكل الاقتصادية والمالية والمعيشية لتعذر التوصل الى حلول لها وتحرك الشارع ضد الحكومة.

رابعاً: ان يكون لتقرير برامرتس تداعيات محلية واقليمية تزيد الانقسام بين اللبنانيين حدة وبين قوى 14 آذار وسوريا.

خامساً: ازدياد الضغط الدولي على الحكومة لتنفيذ القرارين 1559 و1680.

سادسا: احتمال تجدد الاحتكاكات والاشتباكات على جبهة الجنوب مع اسرائيل وعلى جبهة البقاع مع الفصائل الفلسطينية لارباك الحكومة واحداث انقسام حول مواجهة ذلك.

سابعا: الخلاف على تعيين قضاة في المحكمة ذات الطابع الدولي.

وردا على القول انه قد يصبح من المتعذر تشكيل حكومة جديدة اذا استقالة الحكومة او اسقطت في جو سياسي متأزم، قد يدخل البلاد في حالة فراغ، او القول بان المطلوب حكومة وحدة وطنية لا حكومة فئوية على رغم ان الحكومة الحالية هي شبه ائتلافية وليس هناك سوى كتلة العماد عون غير مشاركة فيها، يرى هؤلاء الاعضاء في "اللقاء الوطني اللبناني" ان التطورات المرتقبة او المحتملة اذا لم تكن في مصلحة تحالف قوى 14 آذار، فانه يصبح من السهل العمل على شق هذا التحالف باعتماد التوزير وسيلة للترغيب وضم عدد منه الى الاقلية الحالية بحيث تصبح اكثرية قادرة على تأليف حكومة منها اذا رفض تحالف هذه القوى المشاركة في حكومة وحدة وطنية.

ولكي تكسب هذه الحكومة سواء كانت حكومة وحدة وطنية او حكومة اكثرية ائتلافية تأييد الناس، فان سوريا سوف تتعاون معها على تحقيق ما لم تستطع الحكومة الحالية تحقيقه وذلك بتسهيل اقامة تمثيل ديبلوماسي بين لبنان وسوريا، وبترسيم الحدود بين البلدين بما فيها حدود مزارع شبعا، وبازالة سلاح الفلسطينيين خارج المخيمات، وبوضع "استراتيجية دفاعية" لمواجهة خطر اسرائيل تشكل المقاومة اللبنانية جزءا منها ولكن في اطار الدولة والشرعية، وتعود العلاقات المتأزمة حاليا حسنة وجيدة بين لبنان وسوريا واعادة النظر في الاتفاقات المعقودة بين البلدين حيث تقضي مصلحة البلدين بذلك، ويتم التوافق على برنامج اصلاحي يضمن حصول لبنان على المساعدات التي يحتاج اليها، ولن يكون للولايات المتحدة الاميركية وفرنسا والمجتمع الدولي ما يجعلهم يعترضون على قيام وضع جديد في لبنان اذا كان هذا الوضع يحقق ما لم تستطع تحقيقه بعد الوضع الذي نشأ عن قيام تحالف قوى 14 آذار، اذ ان الدول الشقيقة والصديقة يهمها النتائج التي تتحقق على يد اي حكومة، خصوصا اذا كانت سوريا تريد التعاون مع حكومة جديدة وترفض التعاون مع الحكومة الحالية التي عجزت عن تحقيق المطلوب منها ولا سيما تنفيذ قرارات مؤتمر الحوار.

وعندما تقوم حكومة جديدة تحظى بثقة الاكثرية فانه يصبح في الامكان تقصير ولاية مجلس النواب بموافقة هذه الاكثرية نفسها وايصال رئيس جمهورية مقبل بموافقتها ايضا.

ولا يستبعد اصحاب هذه التوقعات ان تكون سوريا تعمل لدى الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا والمجتمع الدولي على تسهيل قيام حكومة جديدة في لبنان لتحقيق ما عجزت الحكومة الحالية عن تحقيقه محليا واقليميا ودوليا، مع تأكيد سوريا انها لا تريد شيئا في المقابل سوى ان يكون في لبنان حكم ترتاح اليه ولا يكون معاديا لها. فهل تصح هذه التوقعات، وهل توافق الدول التي تدعم "انتفاضة الاستقلال" على اعادة فتح الباب امام عودة سوريا الى لبنان بواسطة حكومة من حلفائها؟