بدد المحقق الدولي في اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه القاضي البلجيكي سيرج برامرتس في تقريره الذي قدمه السبت الفائت الى الامين العام للامم المتحدة كوفي انان التكهنات اللبنانية وغير اللبنانية حول ما سيخلص اليه من نتائج واعطى اشارات قوية الى استقلاليته وحياده، وموضوعيته وخصوصا امتناعه عن القيام بزيارة لواشنطن كانت مقررة قبل تقديم تقريره للقاء وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس ومسؤولين آخرين، ولم يترك مجالا لأحد للطعن في تقريره، علما انه من غير المستبعد ان يلتقي لاحقا مسؤولين اميركيين وغير اميركيين.

الامران الاساسيان في تقرير برامرتس يتركزان على الآتي:

 الاول ان هيكلية مضمون التقرير لا تزال مبنية على الركائز او المنطلقات التي وضعها سلفه الالماني ديتليف ميليس، وهو يكمل هذه الهيكلية على عكس ما كانت اوحت بعض الاحتمالات بعد معاينته مجددا ساحة الجريمة لمعرفة ما اذا كان الانفجار وقع تحت الارض او فوقها او الاثنين معا. وكان ميليس بعد رئيس بعثة تقصي الحقائق بيتر فيتزجيرالد الذي رفع نظرية فوق الارض وتحتها قد حسم ان الانفجار حصل فوق الارض فيما لم تحسم تحقيقات برامرتس هذا الامر ولم تهمل احتمالات اخرى متعددة ومتشعبة.

ما يقوله برامرتس هو ان لديه خيوطا متينة وهي قد تؤدي الى مكان ما، الا انه يعطي اشارات قوية من دون ان يكشف ماهية ما قد تقود اليه، علما ان لديه استنتاجات اتاحت له بناء التقرير على هذا النحو.

 الامر الثاني، ان التقرير الذي يقول برامرتس في مقدمته انه للافادة عن تقدم التحقيق بناء على طلب من مجلس الامن يتحدث بلغة "جراحية" بالغة الدقة عن تعاون السلطات السورية في شرح ما حققه على هذا الصعيد حتى الآن وانتظاره المزيد منها اذ يقول "يبقى التعاون الكامل وغير المشروط من سوريا اساسيا للجنة". وقد كان لافتا في هذا المجال جملة امور بينها: قوله ان سوريا تتعاون "بشكل مرضٍ على وجه العموم"، لكنه لم يعفها من الكثير المطلوب حتى الآن. لا بل توقف هؤلاء عند قوله في الفقرة الرقم مئة (100) انه طرح على رئيس الجمهورية العربية السورية ونائبه اللذين التقاهما في 25 نيسان الماضي عددا من الاسئلة المحددة التي تتعلق بالوضع السياسي الاقليمي والامني قبل اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري وبعده وآليات تقديم التقارير الى الرئيس ونائب الرئيس... والتداخل بين السلطات السورية واللبنانية". ويقول انه سلم الى السلطات السورية ثلاثة طلبات في ضوء اجتماع رئيس اللجنة والرئيس السوري. مما يشير الى سعي اللجنة الى معرفة آلية اتخاذ القرار وتسلسله لدى القيادة السورية والعلاقة مع الاجهزة الامنية اللبنانية.

وتقول مصادر متابعة في بيروت ان اخذ برامرتس في تقريره مسألة انهيار بنك المدينة ضمن الاحتمالات التي قد تكون وراء اغتيال الحريري او تمويل عملية اغتياله من الاشارات القوية الى استكماله الأسس التي وضعها ميليس. علما ان الاهمية التي يعطيها لاحتمال ترابط الاغتيالات الاخرى ومحاولات الاغتيال التي وقعت العام الماضي تصب في خانة هذه الاشارات ايضا.

لذلك فان التقرير يؤدي الى جملة خلاصات اولية ابرزها:

 استمرار الضغط قائما على سوريا على نحو غير مباشر من اجل حضها على مزيد من التعاون سعيا الى معرفة قتلة الرئيس الحريري، اكان ذلك متصلا "بالفصل بين الافراد والدولة" على ما اعلن وزير الخارجية السورية وليد المعلم او بأمور اخرى، وسعي برامرتس الى مزيد من التعاون من سوريا سيشكل بدوره حافزا لمجلس الامن لأن يحض سوريا تكرارا على تقديم اكثر مما قدمته حتى الآن. وهو ما تعني ترجمته العملية ان سوريا تقدمت خطوات عما كانت عليه حالها مع ميليس، لكن تعاونها لا يزال غير مكتمل.

 عدم ورود ما يمكن ان يصعد الاوضاع بين لبنان وسوريا في مضمون التقرير ولو انه لا يقدم ما يمكن ان يساعد على تبديد الازمة القائمة بينهما منذ حادث الاغتيال وما تركه من انعكاسات، بل هو يبقي المسائل على ما هي. اذ ان البحث عن مزيد من الاثباتات والادلة لم ينسف حتى الان الاستنتاجات التي تم التوصل اليها سابقا.

 الامران الوحيدان اللذان امكن متابعتهما ديبلوماسيا وسياسيا في لبنان قبل تقديم التقرير على رغم امتلاك البعض تفاصيل من نوع من استدعي من شركات الهاتف مثلا للاستجواب او من مؤسسات اخرى بمعنى عدم اكتمال "البازل" لدى احدهما: ان برامرتس يملك خيوطا قوية ستقوده الى خلاصة اكيدة للتحقيقات، وانه يبني تحقيقه لبنة لبنة او حجرا حجرا من اجل ان يكون الاساس قويا كادعاء عام امام المحكمة الدولية، او ذات الطابع الدولي على ما اشار اليه برامرتس في التقرير بقوله "ان الاجراءات الداخلية ستساعد في ضمان ان اي معلومات يجري جمعها او الحصول عليها من اللجنة يمكن الوصول اليها في اجراءات قضائية مستقبلية وخصوصا امام محكمة ذات طابع دولي". مما يؤكد الطابع غير المحلي الصرف لجريمة اغتيال الحريري وفقا للأدلة التي لا يفصح عنها برامرتس حتى الآن.