تجربة حماس ليست حدثا منفردا، وهي دون اسقاطات مباشرة تقدم طيفا من الانعكاسات داخل مسار الحياة العامة لشرقي المتوسط، فهذه التجربة كانت نموذجا لصورة العصر السياسي الجديد، ولطبيعة التعامل مع الشأن العام ضمن تشابك الداخل مع الخارج. فالمسألة لم تظهر بـ"تطرف" حماس، والتعامل السياسي لم ينتظر حتى تأخذ التجربة الديمقراطية الفلسطينية مداها ثم يسعى لاتخاذ مواقف منها. كانت القضية "حزمة" من الأحكام الساعية لقطع المسار نهائيا على تعامل مع تيار لا يتوافق في رؤيته مع الخط السياسي الدولي.

وداخليا لم يكن الأمر أسهل بالنسبة لحماس، لأن حركة فتح التي "أسست" السلطة الفلسطينية واجهت صعوبة في تقبل ما حدث أمام كوادرها قبل أن يصبح الموضوع خلافا مع حماس، مما جعل الصورة السياسية غائمة وقابلة لاستيعاب "مصادرة" النتيجة "الديمقراطية" التي أوصلت حركة إسلامية إلى "السلطة".

وتجربة حماس تبقى مساحة تدخلها معظم التيارات السياسية على خلفية الاعتقاد أن حل الأزمات يبدأ من استثمار الموقف السياسي، فكما استثمرت حماس "المقاومة" يتعامل فريق من اللبنانيين مع اغتيال الرئيس الحريري، بينما يشكل أي إجراء سياسي سوري مناسبة للمعارضة في التعامل معه للاستفادة من الظرف الخاص. وهذه الآلية تنظر إلى الأزمة باعتبارها حدثا فقط وليس ظاهرة متراكبة يتداخل فيها البعد الاجتماعي مع السياسي، فالأزمات التي نعيشها مهما تراكمت حولها الأخطاء السياسي فإنها تبقى "ظاهرة" متكاملة لا يمكن الدخول إليها أو إدارتها بمنطق تبديل الموقف السياسي أو الاتجاه السياسي أو ... أي مظهر آخر يتعامل مع الأزمة من منطلق "الحدث" فقط.

وعندما تستطيع حماس التعامل مع تيارها بنجاح لتكسب الانتخابات فإنها في نفس الوقت تدفع بموقفها السياسي نحو الذروة، لأنه الوحيد القادر على اجتذاب المجتمع، لكنها في نفس الوقت تستخدم "الموقف" في بناء آلياتها السياسية وهو ما يجعل "الأزمة" أكثر تعقيدا. ومثال حماس ينسحب على فتح وعلى معظم التنظيمات السياسية في الشرق الأوسط، الرسمية والمعارضة، ويدخل المجتمع من جديد في دوامة من البحث من مخرج وغالبا ما يكون الثمن غاليا كما يحدث اليوم في غزة أو كما حدث سابقا في لبنان والعراق.

"الموقف" السياسي في النهاية لا يستطيع التعبير عن كل مظاهر "الأزمة" التي يعيشها المجتمع، والموقف السياسي إذا لم يستطيع خلق مساحات تفكير جديدة فإنه يعيد إنتاج الأزمات، وتجربة حماس هي الأكثر سطوعا لكننا نستطيع رؤية ظاهرة "استثمار" الموقف السياسي في أي حراك حولنا، بينما يبقى المجتمع داخل الأزمة أو المعاناة أو القلق يدفع ثمنا لـ"حياته"....