هآرتس

داني روبنشتاين

سفك الدماء على شاطئ غزة نهاية الاسبوع الماضي لم يحدث بسبب خطأ مأسوي. ذلك أنه كان واضحا للجميع أن تبادل إطلاق النار في قطاع غزة الضيق، حيث الكثافة السكانية من أعلى ما في العالم، سيؤدي إلى إصابة عائلة كاملة وأن المسألة مجرد وقت فقط. كما أن الرد الفلسطيني معروف سلفا: المزيد من العمليات، ويد الحظ، السيئ أو الجيد، هي التي تحدد عدد الضحايا الإسرائيليين الذين سيسقطون في الفترة القادمة.
بات من المعروف أنه لا حل عسكرياً للصراع كله. لكن يتضح الآن أكثر فأكثر أنه لا حل عسكرياً يوقف اطلاق صواريخ القسام. ما الذي لم يتم فعله في هذا المجال؟ تم استهداف مطلقي الصواريخ، القادة؛ تدمير جسور وعرقلة الطرقات المؤدية إلى مناطق الاطلاق؛ تنفيذ ما يُسمى بمصطلحات الجيش الإسرائيلي "حلاقة" وتدمير مناطق زراعية؛ تم قصف مناطق الاطلاق مرارا وتكرارا. تم توزيع منشورات وتحذيرات إلى السكان والتهديد بتدمير الأحياء والمدن. ومن المناسب أيضا الإشارة إلى "حرب المخارط" أيضا التي شنها الجيش الإسرائيلي ضد ورش الخراطة في غزة، حيث تم قصف عشرات ورش الخراطة الفلسطينية وتدميرها بعد الاشتباه بأنها تقوم بتصنيع الصواريخ.
كل هذه الخطوات لم تجد نفعا. العكس هو الصحيح، إذ يوجد اليوم في غزة صواريخ أكثر مما كان في السابق. كما جرى تطوير وتحسين المعرفة، الوسائل والقدرات على إطلاق الصواريخ باتجاه أهداف في إسرائيل. ولا يوجد أدنى شك في أن استمرار التدهور الأمني يؤدي فقط إلى زيادة وتعزز التخصص والخبرة وحجم النشاط في هذا المجال. وحتى إنه يمكن الافتراض إن عاجلا أم آجلا، ومن دون ما يُسمى أفق سياسي، ستصل الحافزية ووسائل إطلاق الصواريخ إلى الضفة الغربية أيضا.
منذ أن انتُخب أبو مازن، قبل سنة ونصف، لم يمر يوم واحد تقريبا دون أن يطالب فيه الرئيس الفلسطيني بالبدء في مفاوضات سياسية. صحيح أنه لم يكافح بشكل حازم ضد حماس، لكن هذا الأمر ليس مبررا لعدم التحدث إليه. كما أنه انقضت أربع سنوات على تقديم المبادرة العربية في قمة بيروت، التي تدعو إلى التطبيع مع إسرائيل؛ ومع أن هذه الدعوة مرهونة بشروط صعبة، إلا أن السياسيين الإسرائيليين لم يتطرقوا إليها أبدا. والآن مطروح على بساط البحث "وثيقة الأسرى"، التي حظيت فقط بردود مستخفة ورافضة من جانب رئيس الحكومة إيهود أولمرت والمتحدثين باسمه. وهناك أيضا قرارات حكومة حماس بإتاحة حصول اتصالات مع حكومة إسرائيل حول المواضيع العملية ـ اقتصاد، مال، زراعة، كهرباء، صحة وسياحة.
المطالب الفلسطينية صعبة. فقد كان من الأسهل لو أن الفلسطينيين وافقوا على مطالبنا، كأن تكون القدس الكاملة والواسعة، على سبيل المثال، عاصمة حصرية لإسرائيل. لكن ثمة رأي سائد في الجمهور الفلسطيني، بكافة فصائله، يفيد أنه في إسرائيل يدركون جيدا أنه لا يوجد أي احتمال لموافقة أي فلسطيني على مثل هذا الطلب. لذلك، تقتضي المصلحة الإسرائيلية أن تكون الأمور واضحة بعد البدء في التحدث مع أي فلسطيني، معتدلا كان أم متطرفا. وبالمناسبة، من الأفضل أن يكون الفلسطينيون متطرفين، لأنه عندها لن يطلب أحد من حكومة إسرائيل التفاوض معهم. لكن كيف يمكن الحرص على أن يكون الفلسطينيون متطرفين؟ هذا سهل، نقوم بضربهم مرارا وتكرارا ـ عن طريق التصفيات والقصف المتواصل مثلا ـ إلى أن لا يخطر على بالهم أبدا تأييد سياسة السلام.
يُحتمل أن يكون هذا الاعتقاد خاطئاً ومشوهاً، لكن كل من يحاول الوقوف عند المزاج العام في المناطق الفلسطينية، كل من يتابع ما يُنشر في الصحف، تصريحات المتحدثين، المقابلات في محطات الإذاعة المحلية والتلفزة العربية، يصل بسهولة إلى خلاصة مفادها أن هذا هو الاعتقاد السائد لدى كل الفلسطينيين من رفح إلى جنين. ويمكن القول أن هذا الواقع سيستمر ما لم تعلن إسرائيل عن تغيير في سياستها، وعن وقف تام للنار واستعداد حقيقي للتفاوض.