هناك ثلاثة احتمالات فقط لتفسير خبر التلفزيون السوري عن الهجوم الارهابي الذي استهدف مبناه قبل أيام، أولها هو أن الارهابيين الذين تصدت لهم قوات الأمن السورية قبل أيام، فقتلت بعضهم وجرحت بعضهم الآخر، وأسرت المتبقي منهم، ثم عرضت صورهم على شاشة التلفزيون السوري، من النخب الثالث أو الستوك الذي تنتجه المعامل الصينية المختصة بقرصنة وتقليد الماركات العالمية "السينييه". ولذلك فهم إرهابيون مزوّرون لا إرهابيون حقيقيون. وجهة الإدعاء عليهم يجب أن تكون جمعية حماية المستهلك لا النيابة العامة، والقانون الذي يجب تطبيق أحكامه عليهم ومقاضاتهم وفق مواده هو قانون حماية الملكية الفكرية وليس قانون الطوارئ، والمحكمة المختصة للنظر بقضيتهم هي محكمة الأمن الاقتصادي لا محكمة أمن الدولة!

إذ ليس من المعقول وجود تنظيم ارهابي في العالم هدفه الرئيسي والوحيد من كل عملية إرهابية يقوم بها، هو ظهور جثث عناصره صرعى أمام كاميرا التلفزيون السوري، ومنح الدكتور محمد حبش فرصة عرض مهاراته الأكروباتية، وإثبات قدرات حباله الصوتية، في تقليد طقوس وصرخات قبائل الهنود الحمر عند اصطيادهم لفريسة ورقصهم حولها. ومن غير المحتمل أن تكون مبادئ هذا التنظيم الارهابي في منتهى الإنسانية وعلى درجة من السمو الروحي، بحيث لا يختار إلاّ الأماكن المهجورة وأيام العطل الرسمية لتنفيذ عملياته، حرصاً منه على عدم تعريض أرواح المواطنين الأبرياء للخطر. ومن الجنون التصور بأن هناك تنظيماً إرهابياً غايته الأولى والأخيرة من كل العمليات الارهابية التي يقوم بها، التضحية بحياة عناصره من أجل تصوير إعلان تلفزيوني مجاني لصالح قوات الأمن السورية، يؤكد من خلاله قوتها وقدرتها على مكافحة الارهاب والتصدي له حتى قبل أن يقوم بأعماله التخريبة!!

أما الاحتمال الثاني لتفسير هذه العملية الارهابية فهو أن يكون التنظيم الارهابي الذي قام بالهجوم على مبنى التلفزيون يتشكل من مجموعة حلاقين وخبراء تجميل وتنظيف بشرة وماكياج وبالياج، من الذين نفذ صبرهم من التشويه الجمالي الذي تعاني منه الشاشة السورية، وضاق خلقهم من كمية الكحل التي تغطس فيه المذيعة عبير عثمان عينيها قبل كل ظهور لها في برنامج "نوافذ"، بشكل يجعلها تبدو وكأنها قدمت للتو من مباراة للملاكمة كان خصمها فيها محمد علي كلاي، وسئموا من حجم الروج الذي تستهلك كنانه حويجه إصبعاً كاملاً منه لدهن شفتيها في كل نشرة أخبار تقدمها، بطريقة توحي بأنها التهمت دجاجة حية قبل وقوفها أمام الكاميرا مباشرةً، وملوا من قتامة لون المانيكور الذي تطلي به ناهد عرقسوسي مقدمة برنامج "عيون الناس" أظافرها، مما يجعل نظرات ضيوف برنامجها مثبته طوال الوقت على أظافرها، خوفاً من أن تقوم بحركة مفاجئة وتنشب أظافرها في أعناقهم. ولذلك قررت هذه المجموعة من الحلاقين وخبراء التجميل وتنظيف البشرة والماكياج والبالياج القيام بهجومها الارهابي على مبنى التلفزيون، بهدف تصحيح الصورة التي تظهر بها المذيعات الثلاث السالفات الذكر. ومن المحتمل _والله أعلم_ أن يكون قد خطر لبعض أعضاء هذه المجموعة، عند الانتهاء من مهمتهم الارهابية الاساسية المرور إلى استديو برنامج "دائرة الحدث" لاقناع مقدمه نضال قبلان ببيروكة جديدة، بعد التأكيد له بعدم وجود أي تأثيرات جانبية لها على سياسة برنامجه ومواقفه المبدئية والثابته مثل ضيوفه، والتعريج على استديو برنامج "مدارات" ومحاولة التأثير على مقدمه نضال زغبور بنتف جزء من حاجبيه، حتى يستطيع المشاهد التفريق _على الأقل في الشكل_ بينه وبين الوجوه التي تظهر في رسومات فنان الكاركتير السوري علي فرزات.

ما يجعل هذا الاحتمال أقرب للمنطق في تفسير العملية الارهابية التي استهدفت مبنى التلفزيون السوري، هو أن اختيار التلفزيون السوري كهدف للارهاب اختيار ساذج. لأن أي تنظيم ارهاني حتى لو كان مخططوه من خريجي مشافي الأمراض العقلية لا يستهدف التخريب في مكان مخرب أصلاً كالتلفزيون السوري. ولا يمكن لأسامة بن لادن وأبو مصعب الزرقاوي وكارلوس، ومنظمات الألوية الحمراء الايطالية وايتا الاسبانية وأيلول الأسود الفلسطينية والجيش الجمهوري الايرلندي، لو اجتمعوا معاً واتفقوا على التخطيط لتنفيذ عملية تخريبية في التلفزيون السوري، لا يمكن لهم أن يحدثوا تخريباً يصل إلى نصف التخريب الذي نفذته الادارات المتعاقبة للتلفزيون السوري فيه!

الاحتمال الثالث والأخير لتفسير هذه العملية الارهابية التي استهدفت مبنى التلفزيون السوري، أن يكون أحد أجهزة الأمن في سورية، قد نظر ملياً إلى الظروف الحرجة التي تمر بها أمتنا العربية، وفكر طويلاً في الهجمة الامبريالية الشرسة التي تتعرض لها المواقف السورية الصامدة، وصمم أن يرد على الاتهامات الظالمة بدعم الارهاب التي توصم بها السياسة السورية المبدئية والثابته، ورأى أن الطريقة المثلى للرد هي تقديم مثال عملي على أن سورية أيضاً تتعرض للارهاب، فقرر اختراع عملية الهجوم الارهابي على مبنى التلفزيون السوري. لكنه بدلاً من أن يستعين بكتب عن عمليات الموساد والـ CIA والقاعدة للاستئناس بها في التخطيط لعمليته، اعتمد في رسم خطته على مرجع واحد ووحيد هو كتاب الشيف رمزي في فن الطبخ. فكل المعلومات التي بثها التلفزيون السوري من كون عناصر المجموعة الارهابية ينتمون إلى طريقة صوفية تحولت إلى جماعة تكفيرية، إلى الأسلحة الأمريكية التي وجدت بحوزتهم، إلى الأقراص المدمجة التي تحوي أناشيد وخطباً دينية والتي عثر عليها معهم، إلى تصريح المصدر السوري بأن الارهابيين حصلوا على سلاحهم من دولة مجاورة ، توحي لمتلقيها بأنه يقرأ صفحة المقادير المناسبة لاعداد طبق إرهاب بالكاري مع الشطة الحارة والفلفل الأسود، أكثر من إيحائها له بأنه يتابع تفاصيل متعلقة بعملية إرهابية. ورواية التلفزيون السوري عن مجريات واقعة هجوم الارهابيين على مبناه تجعل المتلقي يشعر بأن مذيع نشرة الأخبار السورية يقرأ صفحة طريقة الطهو في كتاب فن الطبخ، وليس خبراً عن اشتباك مسلح. ولم يكن ينقص خبر التلفزيون السوري عن العملية الارهابية التي استهدفت مبناه، إلاّ أن ينهيه المذيع بقوله: بالهنا والشفا، لتصبح نشرة الأخبار السورية نموذجاً لبرنامج كامل متكامل عن فن الطبخ، لو شارك به التلفزيون السوري في مهرجان القاهرة التلفزيوني القادم لحصد بالتأكيد جائزة ذهبية!

أي احتمال آخر غير الاحتمات الثلاثة الذين ذكرتهم لتفسير الهجوم الارهابي على مبنى التلفزيون السوري قبل أيام، يخيّل لصاحبه أنه قد يقنع أحداً بأن ما جرى خلف مبنى التلفزيون السوري عملية ارهابية حقيقية، لن أضيع وقتي بمناقشته، لأن أي طفل يلعب "البلاي ستيشن" أو يشاهد حلقات من المسلسل الكرتوني ساسوكي كفيل بالرد عليه!!