الكل يعلم أن الحرب الأمريكية على العراق قد أحدثت انقسامات كبيرة بين ضفتي الأطلسي في مارس/ آذار 2003. ومع ذلك وبعد ثلاث سنوات على تلك الحرب التي لم تحل أي معضلة، عادت العلاقات عبر الأطلسي إلى مجراها الطبيعي مجدداً. في الولايات المتحدة كما في أوروبا، يؤكد المسؤولون أنه لا بد من توحيد الجهود والمواقف من أجل مواجهة مشكلات العالم، وتوحيد نظرتهم مجتمعين في الاتجاه الواحد، وعدم تضييع الوقت في الحديث عن العلاقات. ويلاحظ حصول تقدم كبير عند المقارنة مع الاضطرابات التي حصلت في العام 2003. فكل بلد أخذ عبرة من الماضي. قال السفير الأمريكي ريتشارد هولبروك أمام منتدى البروسلس: “بين أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية لم تكن هناك أبدا أزمة، بل هناك مشكلات، وستوجد أيضا”.

الحقيقة التي باتت معروفة للجميع، أن أوروبا تدرك أنّها لا تستطيع مقاومة أمريكا، كما تدرك أمريكا أنّها لا تستطيع التصرّف من دون أوروبا. المسألة الجوهرية اليوم الماثلة أمام الأوروبيين والأمريكيين، هي إيران وما تشكله من تهديد، خارج إطار ما بات يعرف بالإرهاب. يقول السيناتور الديمقراطي جون إدواردز: الآراء تتوافق حول تقدير التهديد، إذ يعترف الأوروبيون والأمريكيون أن المشكل المطروح من قبل الطموحات النووية لإيران جدي للغاية ، في ظل سيطرة رئيس ما انفك يدلي بتصريحات نارية حول إزالة دولة “إسرائيل” من خريطة العالم، ونفي الهولوكوست، والاستمرار في تخصيب اليورانيوم ، حتى وإن ظل متحفظا حول الحربين اللتين تحاصرانه: أفغانستان والعراق.

الولايات المتحدة، بوصفها العدو الأول لطهران، خاضت حربين خدمتا موضوعيا مصالح إيران الإقليمية، وهي الآن تواجه مصاعب جمة في العراق. ولا شك أن الرهان الكبير، لواشنطن، كما لإيران، يتموقع في العراق.وبدت الجمهورية الإسلامية تمتلك مفتاح التأزيم والحل في العراق، نظرا لاعتمادها على قوى أساسية، المجلس الأعلى للثورة الإسلامية، وحزب الدعوة، وهما حركتان سياسيتان رئيسيتان تسيطران على السلطة في بغداد، ولهما علاقات وثيقة مع إيران التي نجحت في استمالة الزعيم الشاب مقتدى الصدر إلى صفها.

إن أوروبا وأمريكا أجبرتا على التفاهم أو التظاهر بذلك فقط لأنهما تواجهان مشكلات يصعب حلّها سواء في العراق أو إيران أو فلسطين أو مشكلات متعلقة بالإرهاب وحماية الطاقة ومشكلات في العلاقات مع روسيا والصين. لكن الأمر يختلف عندما ينتقل النقاش إلى الأساليب الواجب اتباعها لمواجهة التهديد الإيراني. والدليل على ذلك أن الدرس العراقي لم يتم هضمه كليا. وتعجز الولايات المتحدة وأوروبا عن خوض أزمة جديدة عبر الأطلسي، أولاً بسبب تضخّم المشكلات التي تواجهها الولايات المتحدة في العراق، ولا سيما في إيران. وثانياً، لأن الأوروبيين ما زالوا يعانون من صدمة نتيجة الاضطرابات التي حصلت في العام ،2003 وثالثاً، لأن الاتحاد الأوروبي ليس مستعدا لكي يلتحق بتحالف دولي جديد للقيام بعمل عسكري ضد إيران.

الأزمة النووية الإيرانية تتصدر جدول الأعمال العالمي، وتتطلب الكثير من الاتصالات والاجتماعات للتوصل إلى مرحلة التعاون الكامل ومحاولة منع الجمهورية الإسلامية من حيازة أسلحة نووية. ولهذا التوافق ثمنه: فهو لا يتعلق سوى بمعالجة الملف الإيراني في منظمة الأمم المتحدة حول الأسلحة النووية. وبالنظر إلى موضوع العراق، الذي ما زال يشكل عقبة، غير محبذة ذلك لأنه يفتح جروحاً لن تندمل، فإنه من المستحيل الحصول اليوم على الدعم سواء من الرأي العام الأمريكي ، أو حتى من الكونجرس، للقيام بمغامرة عسكرية جديدة ضد إيران، حسب قول سيناتور أمريكي.

يضاف إلى كل هذه التحفظات، هناك الحالة المسجلة والمتعلقة بضعف القاعدة السياسية للعديد من الحكومات الغربية من واشنطن، إلى روما، مرورا بلندن وباريس.وفضلا عن ذلك، من المستحيل التحدث عن إيران من دون المرور بروسيا. وهي إحدى المواضيع الكبيرة التي تشغل بال الأوروبيين والأمريكيين قبل بضعة أسابيع قليلة من قمة مجموعة الثماني الكبار التي ستعقد في سانت بترسبورج. وتعتبر هذه القمة التي ستعقد تحت رئاسة روسيا، أخطر قمم الثماني، إذ استبقتها تهديدات أطلقها كل من نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يشتم منها رائحة عفونة الحرب الباردة.

وإذا كان الأمريكيون يرفعون أصواتهم عاليا بعدما هددوا بمقاطعة قمة الثماني، فإن الأوروبيين يجدون أنفسهم في الطليعة، بسبب تبعيتهم الكبيرة على صعيد الطاقة، وعلاقاتهم الهشة مع شركة غازبروم، العملاق الروسي المسيطر عليه من قبل الكرملين.

اليوم أصبحت أنابيب النفط والغاز مثيرة أيضا مثل الصواريخ، على حد قول خبير أمريكي. لأن وراء خلفية مناطق التوتر التي تقلق القيادات الأوروبية والأمريكية، سواء تعلق الأمر بإيران، أو الإرهاب الأصولي، أو روسيا وخطواتها، تتصدر أزمة الطاقة. ويذكر رئيس المفوضية الأوروبية جوزيه مانويل باروسو، الطاقة من بين التحديات الثلاثة المطروحة على الولايات المتحدة وأوروبا، إضافة إلى التجارة، والترقية الديمقراطية. ومع تجاوز سعر برميل النفط 70 دولارا، وفي ظل توقع استمرار أسعار النفط في الارتفاع، تصبح الطاقة مسألة مفصلية لضمان استقرار الغرب على المدى البعيد. إذ تستهلك أوروبا والولايات المتحدة وحدهما 44 في المائة من البترول العالمي.

لن تقبل الولايات المتحدة التخلي عن القيادة، ولكن لأوروبا تأثيرها الكبير في الأطراف الأخرى. ففي إيران، حافظ الفرنسيون والبريطانيون والألمان على سفاراتهم وشبكاتهم بينما اضطر الأمريكيون إلى التخلي عنها. إن واشنطن بحاجة ماسة إلى المساعدة من أجل فهم الرسائل التي تبعثها طهران، بعد أن حرمت من المعلومات الأساسية لأكثر من ربع قرن. ففي ما يختص بالوضع في إيران والعراق أيضاً ولبنان وسوريا سابقاً، يفكر الحلفاء الأوروبيون ملياً بكل قرار يصدر عن البيت الأبيض.