بعد مصرع أبي مصعب الزرقاوي، ومع اقتراب الذكرى السنويّة الخامسة لـ11/9، يطرح السؤال الحارق نفسه: من كسب «الحرب على الإرهاب»؟

ما لا شكّ فيه أن الانتصاريّة المضبوطة التي استُقبل بها مصرع الزرقاوي علامة تسمح بتوقّع نضج نسبيّ في فهم الحرب المذكورة ومجرياتها. فمصاعب العراق وأحداث العنف المستمرّة هنا وهناك شرعت تحول دون التفاؤل البسيط والتبسيطيّ الذي كان يسم كلّ ضربة تُكال للإرهابيين.

مع هذا، فالسؤال المطروح يبقى هو نفسه صعباً، تنبع صعوبته من لزاجة الحرب تلك ومن زئبقيّتها.

فكيف يقاس الانتصار والهزيمة؟

في الحدود القصوى لما أعلنه الطرفان، يصحّ القول إنهما هُزما معاً. فالولايات المتحدة الأميركيّة لم تنجح في «استئصال» الإرهاب ولا في إقامة الديموقراطيّة التي يُفترض أنها علاجه ودواؤه. لكن أسامة بن لادن وأشياعه لم ينجحوا، في المقابل، في إطلاق النشاط الثوريّ الذي تتأدّى عنه إسقاط الأنظمة القائمة وأسلمة المنطقة بعد إخراج «الكفّار» منها.

أما في حدود الأهداف الأشدّ تواضعاً، فيجوز القول إن الطرفين في كرّ وفرّ متبادلين. فالإرهاب الأصوليّ يسعه الإزعاج إرهاباً في العراق، واستيلاءً على مقديشو، وانبعاثاً طالبانيّاً في أفغانستان. بيد أن الإمساك بأي من البلدان يبقى فوق طاقته، خصوصاً أن «حرب القلوب والعقول» خسرها الإرهابيّون تماماً بقدر ما خسرها الأميركيّون. وهؤلاء الأخيرون يبدون، بدورهم، عاجزين عن تثبيت أيٍ من الأوضاع الآمنة التي يريدون تثبيتها. ذاك أن المنظومة الأمنيّة-السياسيّة كما يطمحون الى بنائها، ويعوّلون على اشتغالها الكفؤ، لا تني تتكشّف عن هشاشات، سياسيّة وتقنيّة، تلحّ على ضرورة وجودهم المباشر. ولما كان «نقص الجنود» أحد العناوين الثابتة لضعف الحروب الأميركيّة، في العراق كما في أفغانستان، غدت أزمة حروبهم موصولةً وثيق الصلة بأزمة نظامهم، ترتدّ عليها وتزيد في تأزيمها.

وربما قيل إن مجرّد المقارنة بين الولايات المتحدة، وهي ما هي، ومعها تحالف يعرض أو يضيق من دول مؤثّرة، وبين شلل مقاتلة متعددة الجنسيّة تفتقر الى الأرض افتقارها الى الشرعيّة الأخلاقيّة، هو في حدّ ذاته انتصار للأخيرة. فكيف وأن الانتكاسات التي ألمّت بالكيفيّات الديموقراطيّة وأحوال حقوق الانسان في البلدان الغربيّة لا يمكن، تعريفاً، أن تلقى ما يعادلها عند الارهاب الأصولي: لا هو بالطرف الحاكم، ولا حتى بالطرف السياسيّ، فيما قيمه وسلوكاته مغلقة عديمة التأثّر بما هو خارجها.

إلا أن الحسبة هذه لا تزن كثيراً بقياس حسبة أخرى، مفادها أن البلدان الغربيّة نجحت في تجنيب نفسها خطر الإرهاب الأصوليّ فعلاً. صحيح أن مدريد ولندن شهدتا، بعد نيويورك وواشنطن، ما شهدتاه، وأن عمليّات صغرى تمّت هنا وهناك، وعمليّات أخرى، إذا ما صدّقنا أجهزة الشرطة، كانت ستتمّ، أو أنها قد تتمّ. غير أن هذا جميعاً تبقى كلفته الانسانيّة ضئيلةً جدّاً، ما يُفقد تهديدات بن لادن والظواهري بالويل والثبور لـ»عواصم الكفر» كل صدقيّة ورصانة.

في المقابل، وعملاً بافتراض الإرهاب الأصوليّ أن الغرب لا ينوي إلا تخريب العالم الإسلامي، يجوز القول إن الولايات المتحدة نجحت هنا. فما بين فلسطين والعراق، وصولاً الى أحوال الجاليات المسلمة في العالم، كان ما ابتدأته «غزوة نيويورك» كارثة محضة. وهو جميعاً ما يسمح بتقرير أن «الحرب على الإرهاب» أنتجت مهزوماً كبيراً ولم تنتج، حتى الآن، منتصراً.