الأزمة الفلسطينية ستتواصل على مدى 50 يوماً هي موعد الاستفتاء المقرر في نهاية الشهر المقبل، وكان الرئيس محمود عباس أعطى نفسه وحماس هذه الفترة الزمنية الطويلة لمواصلة الحوار الوطني حول وثيقة الوفاق التي أعدها الأسرى ولم تتوافق الفصائل الفلسطينية عليها.

وكانت حركة حماس هددت بلسان عدد من قادتها بعواقب وخيمة في حالة إجراء الاستفتاء خشية ان يتحول إلى استفتاء على مدى شعبية حكومتها التي ما زالت تراوح مكانها ولم تنجز شيئا بسبب الحصار المفروض عليها والذي استفحلت آثاره الاقتصادية على الشعب الفلسطيني ككل.

أبو مازن حرص على عدم إغلاق باب الحوار وأبقى المجال مفتوحا لمواصلته على أمل أن تقر حماس وثيقة الأسرى التي أشبعها قادة حماس نقداً وكانت موضوعاً رئيسياً في خطب الجمعة منذ إعلانها ويوم الجمعة الفائت كانت خطبة رئيس الوزراء إسماعيل هنية في غزة نموذجاً .

حيث كرر خطباء المساجد مضمون خطبته الرافض للاستفتاء والداعي إلى مواصلة الحوار مع تهديد مبطن لأبومازن في حالة إصراره على الاستفتاء، لكن أبومازن وقع مرسوم الاستفتاء بعد صلاة الجمعة مباشرة.

حماس عملياً اتخذت قراراً بتخريب الاستفتاء مهما كان الثمن لأنها تعلم انه سيؤيد وثيقة الأسرى ولم تنفع حملتها المركزة لنفي إجماع الأسرى على الوثيقة في إقناع الناس بالانفضاض عن الوثيقة. من جانبه فإن أبومازن يريد حلاً لإخراج الوضع الفلسطيني من الطريق المسدود الذي وصل إليه.

فحماس غير معنية بالمفاوضات وغير معنية بفك الحصار وهي كحركة تتدبر أمورها مالياً وتنقل الأموال من الخارج عبر معبر رفح وعبر انفاق بين شطري رفح وتسدد التزامات أنصارها وعناصرها وتشتري السلاح.

فيما يعاني مئات الآلاف من الفلسطينيين من الفقر والجوع بعد انحباس الرواتب للشهر الرابع على التوالي ولم تنفع جرعة رواتب الثلاثمئة دولار لصغار الموظفين المتوفرة من ريع الضرائب المباشرة من تحسين الوضع وما زالت الجهود الدولية تنصب على دعم قطاعي الصحة والتعليم دون اي صرف للرواتب، فكيف سيعمل طبيب إذا لم يتقاض راتبه أو مدرس.. الخ.

الإسرائيليون أيضا يدلون بدلوهم في الانقسام الفلسطيني ويحاولون بعملياتهم العسكرية الإجرامية تعميق الهوة والتقليل من قيمة الاستفتاء لأن من مصلحتهم استمرار الانقسام في الساحة الفلسطينية لتكريس مقولة عدم وجود شريك فلسطيني وقد لقي أبومازن دعماً من العاهل الأردني الملك عبد الله والرئيس المصري حسني مبارك .

حيث أبدى الزعيمان معارضتهما لخطة أيهود ولمرت الداعية إلى انسحاب أحادي وترسيم حدود إسرائيل من جانب واحد. فمصر لمست نتائج الانسحاب الأحادي في غزة وانعكست آثاره السلبية على مصر حيث تحولت غزة إلى سجن مغلق تتناحر فيه الميليشيات وتصدر بعض تناحرها إلى شبه جزيرة سيناء على شكل عمليات تفجيرية في المواقع السياحية.

وكذلك فان الأردن الحريص على حساسية وضعه الداخلي وعدم قدرته على تحمل تبعات هجرة مكثفة من الضفة رأى في خطة أولمرت محاولة إسرائيلية لتصدير مشاكل الضفة إلى الأردن، لأن إسرائيل إذا نفذت خطتها فإنها ستمنع قيام دولة فلسطينية حيث لا مقومات لدولة أرضها تقل عن نصف مساحة الضفة وليس لها أي نوع من السيادة على الحدود او الأرض او الماء.

بالنسبة للأردن الذي قرأ أبعاد خطة أولمرت فانه شعر وكأنه مرشح ليكون الوطن البديل وهي فكرة إسرائيلية شارونية قديمة ما زال أولمرت يتبناها فثمة فرق بين الوطن البديل والخيار الأردني، والأخير يقوم على إقامة كونفدرالية أردنية فلسطينية بعد قيام دولة فلسطينية. لكن خطة أولمرت تخفي في طياتها تصفية القضية الفلسطينية وإنهاء مسؤولية إسرائيل عنها وتحويلها إلى قضية عربية فقط.

ولعل أبومازن المتمسك بخارطة الطريق يرى ان فرصته في حالة عدم حسم الوضع الداخلي الفلسطيني لمصلحة المفاوضات لإحباط خطة أولمرت فان الفرصة ستضيع لمصلحة حماس وأولمرت لأن حماس ليس لديها برنامج سياسي تفاوضي وهي في النهاية لا تمانع في قيام إسرائيل بانسحاب أحادي طالما ان ذلك يعفيها من عبء التفاوض.

السيناريوهات التالية للاستفتاء تبدو قليلة لأن الرئيس قد يعمد إلى حل الحكومة وتكليف آخر بتشكيلها لكن الحكومة الجديدة تحتاج إلى ثقة التشريعي ذي الأغلبية لحركة حماس وهنا يبرز مأزق سياسي كبير قد يؤدي إلى الدعوة إلى حل التشريعي وإجراء انتخابات مبكرة رئاسية وبرلمانية.

وليس ثمة نص قانوني بهذا الاتجاه، لكن بعض القانونيين يقولون بما أن الشعب مصدر السلطات فيجب اللجوء إليه للاحتكام في أية أزمة. لكن ما هو رد حماس على ذلك؟ خاصة وأنها لم تخف تهديدها باللجوء إلى القوة؟