ارتكبت اسرائيل مجزرتها على شاطئ غزة، ثم انطلق مسؤولوها يأسفون لمقتل مدنيين فلسطينيين ويؤكدون في الوقت نفسه ان مسؤولية الجيش لن تتحدد إلا بعد انتهاء التحقيق. البعض قرأ في هذا ما يشبه الاعتذار. ولكن مهلا.

صحيح ان وزير الدفاع عمير بيرتس بعث برسالة "أسف" لا سابق لها الى الرئيس محمود عباس أكد فيها ان اسرائيل "ستبذل ما في وسعها لتجنب هذه الاخطاء في المستقبل"، الا انه ألقى المسؤولية على الفلسطينيين مطلقي الصواريخ على اسرائيل.

وصحيح ان رئيس الوزراء إيهود أولمرت "أسف لمقتل مدنيين أبرياء"، الا انه رفض التشكيك في ما سماه "أخلاقيات" الجيش الاسرائيلي، وذكّر بحوادث سابقة قال ان التحقيقات الاسرائيلية أظهرت انها كانت من فعل فلسطينيين.

مواقف لا علاقة لها بالاعتذار بل بقنابل صوتية اسمها "الأسف" القتها الحكومة الاسرائيلية بعد المجزرة للاستهلاك الدولي، خصوصا ان أولمرت يقوم الان بجولة اوروبية، وما هدفها الا بث الشكوك في أن المجزرة من فعل فلسطينيين. واذا اثبت التحقيق لاحقا انها اسرائيلية الصنع فتكون "خطأ"، ويكون الأسف سبق النتائج ، والاهم تكون ردود الفعل الدولية بردت.

هذه عادة اسرائيل في التغطية على جرائمها والتضليل، مضافة طبعا الى العبارة التبريرية الدائمة: الدفاع عن النفس.

أما الاعتذار فليس من عاداتها. والسبب بسيط. فاذا اعتذرت عن هذه المجزرة تكون اعترفت بالفعل بوجود مدنيين فلسطينيين. وسيكون عليها ان تعتذر عن قتل مدنيين في أماكن اخرى من الاراضي المحتلة، وعن جرف بيوت الفلسطينيين لان اصحابها مدنيون، وعن اقتلاع اشجار الزيتون لان البساتين يملكها مدنيون، وعن مصادرة أراضي الفلسطينيين لان مالكيها مدنيون. وأكثر من ذلك. سيكون عليها ان تعتذر من الذين هجرتهم عام 1967 وحولتهم لاجئين لانهم مدنيون، بل ان تعتذر من الذين اقتلعتهم من ارضهم عام 1948 لانهم مدنيون.

باب اذا فتح يصعب اقفاله، لان التسلسل المنطقي للاعتذارات سيقود اسرائيل الى الاكتشاف - المفاجأة: هناك شعب للارض التي اغتصبتها، مثلما هناك بشر في الضفة الغربية وغزة. وسيكون عليها عندها الاعتذار عن الصهيونية ومبدأ "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض".

مستحيل. لذا، لن تفعل اسرائيل غير مواصلة المجازر والفتن والاغتيالات ومواصلة تشويه الفلسطينيين كشعب ومواصلة القاء القنابل الصوتية "الأسف" و"الرغبة في ايجاد شريك للسلام". وما دامت اميركا لا ترى في المجازر الا "حقا لاسرائيل في الدفاع عن نفسها" فلن ترتدع اسرائيل. المهم كيف سيواجه الفلسطينيون هذه الهجمة؟ هل يتوافقون ليكونوا كلمة واحدة في وجه الحلول المنفردة، أم يقدمون لاسرائيل الذرائع لتبرير حروبها وحلولها؟