منذ البداية كان علينا الاعتراف بأن المحطات السابقة لم تشكل سوى أسطرا لدارسي التاريخ المعاصر، فمرت الحركات والتجارب ومحاولات "التغيير" الاجتماعي وكأنها مساحات منسية داخل كتاب مل الطلاب من قراءته. وبعد عقود لا نستطيع استرجاع طبيعة الفعل الاجتماعي لتفكير ظهر قبيل الاستقلال ونما في السنوات الأولى مكرسا صورة البديل عن الماضي... ما الذي حدث بعد ذلك؟ هذا السؤال لن يكون رهينة المبررات "السلطوية" في "اجتثاث" حركات التغيير الاجتماعي، لأنه عندما يتحول كتاب ماركسيون ليضعوا "ثقلهم" الفكري في صحافة الإخوان المسلمين، فإننا سنقتنع بأن "المعارضة" هي "مزحة" ثقيلة وربما محبطة...

هذا التحول لا مثيل له في باقي التيارات... فالتيار العلماني فقط هو الذي يشهد "الانقلاب" باتجاه الليبرالية أحيانا أو "الأصولية" أحيانا أخرى، أو يفقد هويته ليجد نفسه على منبر "البديل" لكل الأزمات التي نعيشها.... والتيار العلماني لم يشهد تراجعا لأن المجتمع لا يملك ثقافة متنوعة وقادرة على التعامل مع الطيف الاجتماعي، بل لأنه لم يستطع أن يرسم نفسه خارج إطار "التقلب" السياسي وبعيدا عن التحول في المواقع، لأن العلمانية ليست موقفا فقط بل تجربة لرسم الحياة من جديد على مساحة الوطن وتنوعه.

في مساحة المعارضة اليوم تنهار مفاهيم "الحداثة" بشكل واضح رغم أن المعارضة إحداها، فقبل الحداثة كانت هذه المعارضة "زندقة" و "فسادا" ... وكانت دول الطوائف مرهقة في محاربة "الرأي" الآخر على أساس أنه "طائفة" جديدة ... فما الذي تغير اليوم ... احتكار الحقيقة مستمر في التصريحات ... والمساحات المهملة داخل الفعل الثقافي باقية، بينما يظهر الصراع بين "النخب" كتعبير جديد عن "الأمراء" و "مقدمي العسكر" و "أئمة" المذاهب ...

وفي حديث المعارضة بدائل لكل شيء إلا للمظهر الثقافي السائد، وهذه "البدائل" قادرة على رسم التغيير وفق منحى "الاستبدال" سواء للأشخاص أو للإجراءات السياسية دون التفكير بالتعامل مع أزمة تفكيرنا التي تنتج كل مظاهر الاستبداد التي يتم الحديث عنها داخل النخب أو المعارضة أو حتى بيانات الإنترنيت، والبيانات المضادة التي تبدو وكأنها صور مشوهة عن التصريحات الرسمية.

ما الذي حدث بعد أكثر من نصف قرن على الاستقلال ... ربما لا شيء على صعيد "الثقافة" العامة باستثناء قدرتنا على إعادة تكوين الحداثة بشكل يساير نمط تفكيرنا "الأبوي" وربما علينا من جديد "الترحم" على الزمن الذي أنتج هشام الشرابي وإدوارد سعيد وأدونيس ونزار قباني و.....