نجيب نصير

هل ينتظر الاهتمام بالبيئة يوما نذكره كما نذكر أيام المسرح والسينما والموسيقا والأغنية؟ هل سنلج إلى الاهتمام بالبيئة كما ولجنا إلى الفنون بوصفها فعلا خيري ليس إلا ؟ هل سنكتشف في تراثنا اننا نحن أهل البيئة وحمايتها ونحن المقصرون تجاه التراث وليس تجاه البيئة ؟ وهل سيأتي يوم نواجه فيه نتائج إهمالنا لبيئتنا، على أساس هذا وطننا ونحن أحرار به.. ننظفه ! أو نوسخه، ! أو ندمره ! فهذا شأننا وليس لأحد ، أو فكرة ، أو فكر ،ان يتدخل ، فأهل مكة ادري بشعابها ؟؟؟

لا اعتقد ان هناك من موضوع عمومي اجتماعيا أكثر من البيئة، فهي على تماس بجلودنا وصحتنا ومستقبلنا بشكل لصيق ونتائجها مباشرة على أجسادنا وأذهاننا، بحيث لا يمكن لنا تجاهلها أو تأجيلها، أو القفز عن تفاصيلها ومتشعباتها وأمثلتها، فاليوم خمر وغدا أمر، صحيح لسنا بذاك البلد الصناعي الذي يفرز مفسدات البيئة ولكننا بلد يتلقى هذه المفسدات بلا مبالاة تشبه تماما نظرتنا لكل شيء حداثي ومعاصر، أي على انه غمامة وتزول مع زوال الحداثة أو العقلانية أو العلمانية أو فصل الدين عن الدولة أو أو الخ وكلها لن تستقيم في الزمان، لأن العلم قد اكتمل في الماضي، وكل حراك هو تطريز له من الباب الخيري والا كان سقط المتاع.

ولكن البيئة في واد آخر عن هذا التفكير، وربما كانت هي الباب الذي سوف يدخلنا الحداثة ( كما الإيدز والسارس وانفلونزا الطيور ) فخطر تدميرها قادم كوجه من وجوه الحداثة، وعلينا التعامل معها بحداثية شئنا أم أبينا ولن يستقيم معها شيء، لا تراث ولا كرامات بل بعلمية بنيوية، اعتمادا على التغيير في الثقافة الاجتماعية المتخلفة التي لا تستطيع الجمع بين ما هو فردي وما هو مجتمعي، وبالتالي تحالف الفردي والمجتمعي على قبول الهزيمة في مواجهة سؤال البيئة.. وكفى المؤمنون شر القتال !!

لكي تفنى أية قنينة بلاستيكية تحتاج إلى 300 عام، أي على المجتمع والأفراد احتمال ضرر هذه القنينة كقدر مكتوب، فكيف لنا ان نواجه آلاف المشابهات لهذه القنينة ذات الاستعمال اليومي البسيط؟

هل بادر احدهم، أو بادرت مؤسسة ما لاختراع البديل ؟؟

هل بادر أحدهم أو مؤسسة ما لترشيد الصناعة بيئيا ؟ أو حتى ترشيد الاستهلاك بيئيا ؟ أي هل هناك من يعرف ( من المعرفة ويعرفون.لعلم بالشيء ) الفارق بين كيس النايلون وكيس الورق بيئيا ؟؟؟ اعتقد ان الكثير يعلمون ولكنهم لا يعرفون.

اليوم نحن بحاجة إلى ثقافة بيئية حداثية حتى نستطيع مواجهة خطر موت المكان الذي نعيش فيه وهو استحقاق تاريخي، لأنه يجمع بوقاحة ما غاب عن الثقافة الاجتماعية لوقت طويل..الا وهو علاقة الفرد بالمجتمع ، فما يضر الفرد هنا وما ينقذه أيضا هو ما يضر المجتمع وينقذه ... فهل نحن مصرون على ان لا نفكر الا بخلاصنا الفردي حتى لو كان الضحايا هم أولادنا وأحفادنا ؟؟؟!!

لا تنظفوا بردى في حملة خيرية... فقط لا ترموا فيه قاذوراتكم وقنانيكم الفارغة، لا تتوقفوا عن استعمال القناني البلاستيكية ولكن حاولوا اختراع عبوات صديقة للبيئة .... فالقعود هو نفسه تلويث للبيئة. التي هي ليست شأنا خيرا يهدىء النفوس التواقة لفعل الخير انه استحقاق موضوعي عقلاني ليس فيه من الخيرية شيء ، انه محاولة فعلية لإنقاذ الذات .