حركة الزوار الرسميين لا تهدأ بين دمشق وطهران. وهي تكثفت بشكل ملحوظ منذ ان اعلن الرئيس الاميركي جورج بوش الشهر الماضي عزمه على الحوار مع ايران حول ملفها النووي، وتركت الانطباع بأن التحالف السوري الايراني، الذي يرجع الى الايام الاولى من الثورة الاسلامية، يواجه اختبارا صعبا.. ومفارقة غريبة.

وبرغم كل ما يقال في العاصمتين السورية والايرانية عن ان هذه الزيارات المتبادلة والتي تكاد تكون يومية هي مجرد تعبير طبيعي عن عمق التحالف بين البلدين وعن تطور العلاقات الثنائية، فإن ثمة ما يوحي بان احدهما فوجئ الى حد ما بالاتجاه نحو الحوار الاميركي الايراني المباشر الوشيك، وشرع في طرح الاسئلة حول عناوين هذا الحوار ومدى تأثيره على مجالات التعاون بين دمشق وطهران، التي لا تقتصر على العراق ولبنان.

ولعلها المرة الأولى منذ ان قام التحالف السوري الايراني في مطلع الثمانينيات التي يبدو فيها ان دمشق تقف على يسار طهران، بعدما ظلت طوال العقدين الماضيين تتمتع بكونها الطرف المعتدل الذي يتوسط بين ايران ودول الخليج العربية، وينقل بين الحين والآخر الرسائل، والرهائن، من الايرانيين الى واشنطن وعواصم اوروبية مختلفة كانت في حالة حرب مع ايران.

ما يجري حاليا هو انقلاب مثير في المواقع والادوار السورية الايرانية، لا يؤدي بالضرورة الى اهتزاز التحالف العميق بين البلدين، الذي كان ولا يزال يمثل مصلحة حيوية مشتركة، كما لا يضمن ان طهران ستتمكن من التوسط او على الاقل نقل الرسائل من دمشق الى واشنطن.. ومن تفادي تحول ذلك التحالف الى بند على جدول اعمال الحوار الاميركي الايراني المباشر، عندما يحين موعد البحث في الحوافز او حتى العقوبات.

بديهي ان احدا من طرفي الحوار لن يلجأ على الاقل في المراحل الاولى الى التلويح بما يمكن ان يسمى الورقة السورية. الارجح انهما سيحتفظان بها الى النهاية.. الاسباب الاميركية معروفة، برغم انها قد تقتضي ادخال بعض التعديلات على مساعي الفصل بين طهران ودمشق. والاسباب الايرانية مفهومة ايضا برغم انها قد تقتضي ايضا ادخال بعض التعديلات على اشكال العلاقة مع سوريا، التي سبق ان واجهت تمايزا في التعاطي مع الملف العراقي..

لن تكون سوريا طرفا في الحوار على الاقل في بداياته، لكنها ستضطر في مراحله المتقدمة الى الالحاح في السؤال الذي يتنقل على الارجح هذه الايام بين طهران ودمشق، عن تفاصيل الاتفاق الاميركي الايراني وتكاليفه، وما اذا كان الحلفاء الايرانيون سيساهمون فعلا في فك العزلة عن سوريا.. ويساعدونها على فتح حوارها المنشود مع الاميركيين من دون شروط اضافية.

لم يكن اعلان الحوار الاميركي الايراني خبرا سارا في دمشق، ولن يكون إجراؤه خبرا مفرحا ايضا.. لكن نجاحه سيكون على الارجح فرصة جديدة لسوريا التي كانت اشد بلدان العالم خوفا من حرب اميركية ايرانية!