تفيد تقارير ديبلوماسية وردت على دمشق، بحسب ما كشف مطلعون، ان الولايات المتحدة فقدت الاوراق التي يمكن ان تضغط بها على سوريا خارج اطار الشرعية الدولية. وان الاجراءات التي اتخذتها في حق سوريا تحت باب العقوبات في حق بعض الاشخاص او المصرف التجاري السوري هي اقصى ما يمكن ان تتخذه، اضافة الى ان بعض المناقشات السياسية في العاصمة الاميركية ومنها مثلا الاسئلة والاجوبة التي جرت على هامش اجتماع اللجنة الفرعية التابعة للجنة العلاقات الدولية المعنية بشؤون الشرق الاوسط ووسط آسيا في الكونغرس واظهرت حاجة واشنطن الى دعم الاوروبيين والشرعية الدولية من اجل نجاح الضغوط التي يمكن ان تمارسها. حتى ان بعض المناقشات والتعليقات حمّل ادارة الرئيس الاميركي مسؤولية اضاعة الفرصة من توجيه الرسائل القاسية الى سوريا لتغيير سلوكها على الاقل.

اما في المرحلة الراهنة فقد ضاقت السبل وانحصرت تقريبا بالشرعية الدولية، لذلك فان احد الابواب التي تقود الى نتائج ممكنة على هذا الصعيد هو تقرير موفد الامين العام للامم المتحدة لمتابعة تنفيذ القرار 1559 تيري رود – لارسن الذي لم يقدم الى مجلس الامن ما يمكن ان يحمل الاسرة الدولية على اتخاذ اجراءات او خطوات عقابية في حقها. فصدر القرار 1680 الذي "يشجع بشدة سوريا على التجاوب مع مطالب لبنان التي اقرتها طاولة الحوار، اي اقامة علاقات ديبلوماسية وتحديد الحدود في مزارع شبعا. لكن رد الفعل السوري الذي لم ير هذا القرار في مصلحة سوريا من حيث تحول المسائل بين دمشق وبيروت قرارات دولية، ارضى واشنطن التي يمكن القول انها سجلت نقطة اضافية ضاغطة في حق سوريا.

اما الباب الآخر الذي تتحدث عنه المعلومات الديبلوماسية فهو تقرير اللجنة الدولية للتحقيق في اغتيال الرئيس رفيق الحريري والذي لا يزال بمثابة السيف المصلت فوق سوريا في انتظار النتائج النهائية للتحقيق. لكن عدم صدور اي ادانة لسوريا في التقرير الحالي لرئيس اللجنة القاضي سيرج برامرتس، وان يكن ابقى الكرة في ملعبها من حيث البحث المستفيض في ملفاتها على كل الصعد ورغبته في استجواب مزيد من الاشخاص السوريين، واستبعاده نظرية "ابي عدس" كليا باعتبارها النظرية الوحيدة التي اظهرت اتهام مسؤولين غير سوريين بالجريمة، فوت الفرصة على واشنطن في هذه المرحلة من اجل ضغوط اضافية رغم ان التقرير طلب تعاونا اضافيا من دمشق. لذلك كانت دمشق واعية في رد فعلها ازاء تقرير برامرتس باسلوب اكثر حنكة من اجل تفويت الفرصة على واشنطن. فرد الفعل السوري جاء متحفظا وحذرا وهو تحدث عن "ارتياح مبدئي" الى التقرير "وان التقرير مهني من حيث المبدأ"، او هو "مهني الى حد ما"، وهي تعابير حذرة تترك الباب مفتوحا امام ما يمكن ان يطرأ ويعدل موقفها. ولعلها ادركت ان رد الفعل غالبا ما يشكل جزءا من السياسة في الاعلام الغربي، وما يمكن ان يقال او لا يقال وخصوصا في ظل نظام غير منفتح كالنظام السوري الذي انغلق اكثر بعد انسحابه من لبنان وفقد القدرة على تسويق ما يراه مناسبا في الوقت الذي يلائمه، وان لم يزل ذلك كليا من الاعلام او السياسة اللبنانية.

ذلك ان الديبلوماسيين الذين تحدثوا عن التقارير الاخيرة الى دمشق كشفوا في الوقت نفسه ان العاصمة السورية خائفة فعلا وهي تخشى ما يمكن ان يخفيه برامرتس باعتبار ان الاشادة المفرطة قد تحرجها في وقت من الاوقات وتحول بينها وبين الاعتراض على ما يمكن ان يرد في التقارير اللاحقة في حين كان الامر اسهل مع المحقق الالماني ديتليف ميليس اذ طعنت بالتقارير التي قدمها واتهمته بتسييس التحقيق. وهذا الحذر برز لدى دمشق بعد التقرير الاول لبرامرتس وقد وعت دمشق ان الاشادة بصدقية المحقق البلجيكي قد تنعكس عليها سلبا في وقت لاحق علما انه لم يقدم حتى الآن ما يستفز العاصمة السورية. فالتزم السرية التي ابعدت تداول استجواب المسؤولين السوريين من الاعلام وقد نال الجدل العلني والاعلامي في وسائل اعلام عالمية او عبرها من صدقية سوريا في الخارج الى حد كبير. ولم يسرف برامرتس او بالاحرى لم يكشف تفاصيل ما يقوم به في اي مرحلة، كما انه لم يفسح مجالا لانتقاده او اتهامه بانه يتأثر بسياسة دولة معينة غربية او سوى ذلك فلم ينقل عنه احد مباشرة او بالواسطة ما يمكن ان ينال من مهنيته، فبنى صدقية لنفسه بات يتعذر على سوريا التشكيك فيها في هذه المرحلة.
العامل السلبي بالنسبة الى لبنان على نحو خاص هو استغراق التحقيق مزيدا من الوقت فيما يتحرق اللبنانيون لمعرفة الحقيقة، لعلمهم ان الوضع لن يهدأ فعلا قبل كشف قتلة الحريري.