هآرتس

عكيفا الدار

يتعلم إيهود أولمرت بالطريقة الصعبة أن حياة رئيس الحكومة مليئة بالمفاجآت. المفاجأة الأولى انتظرته في نهاية زيارته الأولى إلى الولايات المتحدة، إذ تبين له أن مدة اللقاء مع الرئيس الأميركي ليست العنصر الحاسم. فهو أمضى ست ساعات مع بوش في محادثة ودية إلى درجة أن بوش لم يأت على ذكر موضوع المفاوضات مع إيران. وبعد عودة أولمرت إلى الوطن، أفاد مكتب رئيس الحكومة أن الرئيس ووزيرة الخارجية كونداليسا رايس، التفتا إلى أنه يتعين الاتصال بالقدس من أجل إطلاع أولمرت وتسيفي ليفني. وقد أفادت الـ"نيويورك تايمز" أن السياسة الجديدة تجاه إيران ليست جديدة كثيرا؛ فقبل شهرين، حذرت رايس بوش من مغبة انهيار الائتلاف ضد إيران. وفي ذلك الوقت، خلال مأدبة الغداء على مائدة الرئيس في غرفة الطعام الخاصة بالبيت الأبيض، جرى الحديث عن امكانية استبدال استراتيجية عزل إيران بنهج أكثر اعتدالا.
يدعي متحدثون رسميون في القدس أن أولمرت كان طوال الوقت في صورة الأوضاع، وأنه لأسباب تتعلق بالسرية فقط كان مستعدا لأن يبدو كمن تفاجأ بالأمر. لنفترض أن هذا الأمر صحيح. لكن كيف يفسرون المفاجأة الإيرانية الجديدة التي أعدها بوش لصديقه الإسرائيلي الجديد؟ هل عرف أيضا رئيس الحكومة مسبقا بالاقتراح الذي ينص على أنه مقابل توقف آيات الله عن تخصيب اليورانيوم من تحت البساط، ستقدم الولايات المتحدة المساعدة إلى المشروع النووي المدني الإيراني، إضافة إلى رزمة حوافز مريحة؟ وإذا كان أولمرت على علم مسبق بهذا الاقتراح (وهو أمر موضع شك كبير)، ماذا جرى للتفاهم مع الولايات المتحدة الذي ينص على أن كل صفقة مع إيران ستتضمن وقف التأييد العسكري لحزب الله ولمنظمات الرفض الفلسطينية؟
على الساحة الفلسطينية أيضا أُعدت مفاجأة لأولمرت. فوثيقة الأسرى ومبادرة الاستفتاء العام أسقطت في دفعة واحدة سياسة اللاشريك التي بناها أرييل شارون بجهد كبير جدا. فالأميركيون الذين تبنوا هذه السياسة بحرارة كبيرة حتى الآن، توصلوا إلى خلاصة مفادها أن أبو مازن هو الفرصة الأخيرة لإنقاذ رؤية بوش من مخالب حماس. فقد أعلنت واشنطن لأولمرت أن نجاح الرئيس الفلسطيني في الاستفتاء يشكل نجاحا للدمقرطة التي يحثها الرئيس الأميركي في الشرق الأوسط. هذا هو السبب الرئيسي الذي دفع أولمرت إلى التنكر للاستفتاء.
زيارة أولمرت إلى القصر الرئاسي بالقاهرة وإلى القصر الملكي في عمان، أوضحت له أنه كما الولايات المتحدة، فإن مصر والأردن أيضا، سيفرحان جدا لرؤية المستوطنات مُقفلة. وأنه من الأفضل فعل ذلك اليوم قبل الغد. ولكن، لن تحصل إسرائيل بسبب هذه الخطوة الأحادية الجانب على مباركة الأسرة الدولية والأقليمية لوقف العملية السياسية. فقد كرر جميع الزعماء القول لرئيس الحكومة أن تأييدهم للخطة الإسرائيلية مشروط بالتحدث مع أبو مازن. وهم حرصوا على التوضيح أن المقصود هو مفاوضات حقيقية وليس ضريبة كلامية.
من هنا وُلدت لدى المستوى السياسي فكرة إشهار من خارطة الطريق (المرحلة الثانية) نموذج الدولة الفلسطينية ضمن حدود مؤقتة. وبحسب الخطة التي تبلورت في الغرف المغلقة، فإنه وبعد الاستفتاء، ستقترح إسرائيل على أبو مازن إقامة دولة فلسطينية مستقلة تشمل قطاع غزة و90 في المائة من أراضي الضفة ـ تلك الواقعة على الطرف الشرقي للجدار. هذه الأراضي ستتضمن أيضا غور الاردن، باستثناء حزام ضيق على طول النهر يبقى لمدة زمنية متفق عليها تحت السيطرة الإسرائيلية، أو تتولى قوة دولية مسؤولية السيطرة عليها. وبغية إزالة الخشية الفلسطينية من قيام إسرائيل بتحويل الحدود المؤقتة إلى حدود دائمة، ستمنح الرباعية الدولية ضمانات للفلسطينيين، بما في ذلك جدول زمني، من اجل الشروع في مفاوضات شاملة حول كل القضايا المختلف عليها.
وبحسب خطة أولمرت، فإن مسار الجدار الفاصل سيُملي مسار الحدود المؤقتة التي ستفصل بين إسرائيل وبين فلسطين. صحيح أن التسمية الرسمية للجدار هي "جدار الأمن"، لكن ومن خلال جهد ليس بكبير، سيكتشف الفلسطينيون أيضا أنه في بعض المواقع ثمة علاقة وثيقة بين الجدار وبين الأمن كمثل العلاقة بين كلمة "القدس" و"الموحدة". هذا صحيح في القدس بشكل رئيس، حيث المسار يلامس، بشكل يثير الخشية، حدود الخطة الهيكلية للمستوطنات المجاورة.