رهان يبدو في كل لحظة أن خاسر لكننا لا نتمسك به كتحد في وجه الإعصار التراثي، بل لأن صورتنا لم تعد قابلة للتشوه أكثر، وللانحراف خارج الحياة، فالعلمانية لم تكن حلما فقط لأنها أسس مجالها الذي يضيق بأصحابه، لكنها في النهاية تتركنا نفكر أكثر بتلون الحياة بدلا من تقزيمها بشريط مكرر للوعظ ينطلق كل يوم من المسجلات الهرمة لحافلات النقل، أو يواجهنا داخل المكتبات الملتفة على نفسها لتلخص الحياة بين غلافين مذهبين فيهما "خبرة" البشرية...

ونستطيع التباهي بأننا لا نرى ما يحدث كصور مكررة فقط، إنما محاولة لتثبيت مسارات في الحياة تزيد من المجهول المحيط بنا، فلا ينفع التنظير بالتنوع كي يكسر حدة الصفعات التي تواجهنا داخل الثقافة التي ارتكست على نفسها ووجدت ضالتها في "نهاية التاريخ" ... لأننا على ما يبدو مقتنعون بهذه المقولة أكثر من "فوكو ياما" وربما متحمسون لـ"الحرب" المقدسة أكثر من مبشري المحافظين الجدد.

التباهي اليوم بعلمانية تجمع أقطابا اعتادوا الافتراق ثم يقررون أن "الحكم" هو صندوق الاقتراع، لتبدو الصورة بشكلها المطلق، وبمراهنة على عدد من "الكلمات" التي توحي بأن الوصول هو اهم من أي غاية أخرى، حتى ولو كان ثمنها احتراق أي أمل بالحداثة أو بالخروج من أزمة تلفنا ثم تراها حدثا عابرا.

"علمانية" فوق المعتاد بدأنا نشعر بأنها قادرة على لملمة أشلاء النهضة التي حلم بها رجال بداية القرن العشرين، أو القرن الجديد فهو أيضا يحمل رجال على شاكلة "التلون" و "التحور" وفق "راهنية الوضع السياسي" ....

ربما لا يبدو الأمر أكثر من تهويمات بعد أن تلاشت الأرض التي اعتقدنا أن تقدم لنا الكثير، وعلينا رسمها اليوم كي تناسب الحياة بتنوع لن نستغني عنه لأنه لا يقدم لنا الحياة بل أيضا احتمالات المستقبل ... فإذا تقارب اليمين واليسار واختنقت صور الماضي فلأننا أصبحنا مولعون بالنظر إلى الخلف، أو شغوفون بالقول أننا جربنا ومارسنا ... ثم تحولنا بشكل "تكتيكي" ... لكن العلمانية والحداثة قدر للمستقبل، ثم لا نستطيع النظر للغد إلا بهما.