بعد ثلاث سنوات من سقوط بغداد، جاء جورج بوش الى «المنطقة الخضراء»، ليحتفل بالانتصار العسكري الأول: مقتل أحمد الخلايلة. ولو انه قدّم موعد الزيارة يوما واحدا لأمكنه أن يصغي الى صدام حسين، وهو يدافع عن كرامة المواطن العراقي عبر دفاعه عن المواطن، الذي اشتهر بتمجيد كرامة المواطن العراقي: الأخ برزان، مدير المخابرات السابق.

للأسف لم يبق في العراق ما يدعو الى الاحتفال. ولا بقيت كرامة لم يدُسها النظام في علانية تدريسية تأديبية. فقد كان العراقي يمضي نصف يومه على الأقل يبحث عن طريقة يخفي بها صحيفته التي تحمل صورة السيد الرئيس، لأن المساس بالصورة عقابه السجن بعد المؤبد. أما أصدقاؤنا من ضيوف النظام في فنادق بغداد، فكانوا يرتبون الصحف الى جانب بعضها البعض، لكي لا يضبطوا وقد وضعوا صورة الرئيس «بالمقلوب». أو رموا الصحيفة بعد قراءة ما فيها من قصائد، منثورة ومنظومة.

ماذا جاء يفعل جورج بوش؟ «المنطقة الخضراء»، حيث تقوم مؤسسات الحكم ومبنى سفارته، محاطة بحراسة غير مسبوقة في التاريخ. والعراق الذي أراد انقاذه من صدام حسين غارق في عملية فرز دموية مرعبة: الموصل تفرز نفسها، بين جانب كردي عبر دجلة، وجانب غير كردي. والأقلية السنية في البصرة تهرب. وفي تلك المدينة يقتل إنسان كل ساعة على الأقل. وفي بغداد يتم الفرز بالقوة. والعائلات الفقيرة تطرد بالرصاص من حي الى حي. وعمليات الخطف لا تحصى. والذين يقتلون في ساحات العاصمة هم عمال فقراء ينتظرون من ينادي عليهم للقيام بعمل ما. فيأتي من يوفر عليهم شقاء البطالة وقسوة العمل.

جورج بوش جاء الى «المنطقة الخضراء»، لكي يخاطب الأميركيين. جاء ليزيد في شعبيته نقطة أو نقطتين مكتوبتين بدم سفاح موصوف ورائد من رواد الفظاعات والهمجية. لكن هموم جورج بوش في ايداهو واركنساو والتكساس وليست في دماء العراق البريئة او المتوحشة. وجورج بوش يعرف ـ إذا افترضنا حسن النية في معارفه ـ ان رجال المارينز وطائرات الاباتشي والدبابات الكاسحة، لا يحملون الديمقراطية وأفكار افلاطون. ان مفهومهم لكرامات الناس لا يختلف اطلاقا عن مفهوم صدام حسين والأخ برزان الذي كان يرى في الشعب العراقي قطيعا، يجب تأديبه بشتى الوسائل لئلا ينسى شروط العبادة الأخرى. لم استطع أن أحسم في المشهدين: أين هو التاريخ اكثر سماجة وسخفا: في أن يدافع صدام حسين (وبرزان) عن كرامة العراقي، أم أن يبتهج جورج بوش، بعد ثلاث سنوات من الأساطيل و300 مليار دولار، بمقتل أحمد الخلايلة؟