حتى لا نصاب بالخيبة فإننا نتذكر كل اللحظات السياسية التي رافقت الإعلان عن مقتل الزرقاوي ... فما الذي شكله الحدث بعد أيام قليلة، على الأخص أن "مقتله" أصاب أيضا عنفوان الموت الذي انتقل إلى غزة ثم عاد إلى بغداد ... وتجاوبا مع المرويات التراثية فإن نشاط "عزرائيل" يبدو ليس مربوطا بسيارات الزرقاوي المفخخة ودعواه الطائفية، ولا برغبات الإدارة الأمريكية في سحق الرغبات في الحياة والتعويض عنها بسجون أوسع من المعتقلات التي عرفناها...
والزرقاوي الذي عاش داخلنا لن ينته حتى بعد موته لنه ذاكرة لكل النزوات القاتلة في احتكار الحقيقة، و"تطهير" العالم من الرجس حسب تعبير القاعدة أو "الشر" حسب ما يراه المحافظون الجدد.

وفي نفس اللحظة التي نرى فيها تكوينات العنف تعيد الثقافة الاجتماعية تشكيل نفسها، فنحن لم نعد بعيدين عن دائرة العنف "الثقافي" على الأقل ... لأن الأصوات تتعالى داخل مسجلات الباصات لتغرقنا بخطاب لا يشبه إلا تلوث الهواء المفروض عبر الميكروباصات، أو الضجيج "المشروع" لحفلة "مولود" متعبة من الأصوات الخشنة والابتهالات التي يحفظها الأطفال أكثر من الأناشيد الوطنية، فالمد الجماهيري لم ينحسر لكنه يأخذ طابع "الإنشاد" والوعظ الذي يطرق الأذن فقط بينما نحن مستعدون لتكسير كل الحدود نحو أخرتنا حتى لو مسحت وجه البشرية بالسيارات المفخخة على الطريقة "الزرقاوية".

بالطبع فإن العراق لم يكسب "حجاجا" آخر بعد ظهور الزرقاوي، ولم يخسر سفاحا بعد مقتله، لأن ظاهرة "الزرقاوي" أضافت للثقافة مساحة من "القتل" غير المتعمد عبر إنهاء العقول على طريقة الخطاب الذين ينافسون الـ"TOP 10" في بيع تسجيلاتهم لأشباه التراثيين الذين يجوبون الشوارع ناشرين ثقافة تهميش العقل و "روعة" الخطاب و "ميلودراما" التراث.

مهما تكن ظاهرة الزرقاوي وخلفه فإنها تحمل اليوم علامة فارقة ... علامة الخوف الذي زرعته بارتدادها للماضي بدلا من تطلعها للمستقبل .. هل أصبحنا عاجزون عن ابتداع مقاومة لا تقضي علينا قبل أن تخلصنا من الاحتلال ... المقاومة التي عرفناها في أرضنا أطلقها المؤمنون بالمستقبل وليس بالماضي .. والثقافة المقاومة اليوم لن تبقى أسيرة صور الزرقاوي والطيف الذي أنتجه، فمهما انتشرت قرصنة الأقراص المدمجة التي تحمل وسم "عمرو خالد" أو غيره لكنها في النهاية ستتشجع على التفكير من جديد بثقافة العقل ... بعلمانية قادرة على تجديد نفسها.