تنتظر بعض العواصم الغربية بعد تقديم المحقق الدولي في اغتيال الرئيس رفيق الحريري سيرج برامرتس تقريره الثاني الى مجلس الامن في 15 حزيران الجاري وصدور القرار 1686 الذي مدد مهمته سنة اضافية، ان يقبل الامين العام للامم المتحدة كوفي انان ايفاد مندوبه لمتابعة تنفيذ القرار 1559 تيري رود – لارسن الى سوريا، على ما تفيد معلومات ديبلوماسية غربية تجزم بأن واشنطن على نحو خاص قد لانت في شأن ايفاد رود – لارسن بعدما كانت متحفظة عن ذلك، فجال قبيل تقديم تقريره الاخير على عواصم دولية وعربية عدة من دون ان يزور سوريا. لكنها ترى الآن، بعد تعثر تطبيق قرارات الحوار التي اتخذت بالاجماع، ان يتحرك رود – لارسن على هذا الخط مجددا من اجل الحض على تنفيذها وخصوصا ما يتعلق بالتنظيمات الفلسطينية الراديكالية التي يقيم قادتها في دمشق. مع العلم انه لم يكن قد مضى اكثر من شهر على القرار 1680 الذي صدر نتيجة تقريره في 17 ايار المنصرم، تحرك على الفور في اتجاه بعض الدول العربية من اجل المساعدة على تنفيذ هذا القرار.

وتسعى العاصمة الاميركية الى تحقيق مزيد من الخطوات على طريق "ابقاء النار تحت قدمي سوريا" على حد تعبير احد المسؤولين، وإن عبر خطوات صغيرة كالقرار 1680 الذي "يشكل خطوة في الطريق الصحيح". اذ ان سوريا، بحسب عارفيها، تحاول التقاط اصغر الاشارات والبناء عليها وتوظيفها بصرف النظر عن صحة قراءاتها لها، ليس من اجل اشاعة الاطمئنان داخل سوريا فحسب، بل للسعي الى التأثير في لبنان وتحسين مواقعها فيه. فالقرار 1686 حظي بعد القرار 1680 باجماع الدول الاعضاء في مجلس الامن حول لبنان وقضاياه، بعد اقناع قطر والارجنتين به، وهو ما يعتبره مسؤولون في الادارة الاميركية مكسبا جديدا في اتجاه دعم حرية البلد واستقلاله. ورافقت ذلك خطوات صغيرة اتخذت في حق لبنان ايضا تشجعه على ما تحقق، من بينها اولا اصدار الاتحاد الاوروبي ثم الولايات المتحدة اعلانا حول حقوق الانسان من اجل اللبنانيين. لكن سوريا تداركت الخطأ الذي ارتكبته في رد فعلها على القرار 1680 والذي ساهم في اعطائه صدقية قوية واظهر فاعليته علما ان مضمونه لا يتضمن ما ينال من سوريا من حيث تشجيعها على التجاوب مع مطالب الحكومة اللبنانية اقامة علاقات ديبلوماسية بين البلدين وتحديد الحدود في مزارع شبعا.

اضف الى ذلك ان تصريحات وزير الخارجية السوري وليد المعلم الذي قال اثناء الاعداد للقرار 1680 وقبله ابان زيارة الرئيس فؤاد السنيورة لواشنطن ونيويورك، إن على الحكومة اللبنانية ان تتشاور قبل ان تقرر ايفاد رئيس الحكومة فؤاد السنيورة الى سوريا، قدمت المبرر العلني والواضح للرأي العام العالمي ان سوريا لا تستطيع لجم نفسها عن الاستمرار في السعي الى ادارة لبنان، وقد اعطى هذا الامر الدول النافذة حجة قوية لاقناع الآخرين بالموافقة على اصدار قرار يعطي لبنان حق التمتع بالسيادة على اراضيه والتعاطي معه كدولة مستقلة.

ومع ان التقرير الاخير لبرامرتس لم يقدم ما يتهم سوريا ولم يقدم ما يبرئها ايضا، فهو لم يتخط التوقعات المسبقة لدى المعنيين بالامر لاعتبارات اساسية بينها علمهم سلفا بأن برامرتس يبني قضيته على قاعدة حذف كل الاحتمالات الممكنة واحدة بعد الاخرى بحيث تكون القضية التي يذهب بها كمدع عام الى المحكمة الدولية او ذات الطابع الدولي مُحكمة فيقفل الباب على محامين دوليين محترفين سيرافعون في موقع الدفاع على اساس اثارة الاحتمالات الاخرى او محاولة النفاذ منها للنيل مما يقدمه. وتاليا فهو سيسعى الى استبعاد كل الاحتمالات قبل ان يوجه الاتهامات في اي اتجاه. اذ ان القضية التي سيقدمها لن تكون على ما بات معروفا امام محكمة العدل الدولية في لاهاي ولا امام المحكمة الجنائية الدولية بل امام محكمة خاصة تحكم في قضية ارهابية. والمدة التي يحتاج اليها لاستكمال كل هذه العناصر مفهومة وخصوصا انه يتناول كل عنصر من العناصر التي خلص اليها سلفه ديتليف ميليس، وهو في طور التأكد من الخلاصات التي انتهى اليها.
والتقدم الذي تحدث عن برامرتس قاد، وفق قراءة دقيقة لما تضمنه التقرير، الى انه حريص على الحصول على لقاءات مع المسؤولين السوريين على ان يتحقق هو منهم عبر ادلة من مصادر اخرى وكذلك على ابقائه خطوطه مفتوحة معهم لمصلحة القضية التي يعمل لها.