أدت الخيبات والانتكاسات المتتالية التي اصيبت بهاقوى 14 شباط، وجمدت وأوقفت مشروع الانقلاب في منتصف الطريق، الى بداية تآكل واضح فيما حققته من خطوات، الامرالذي بدأ يثير الاضطراب والتخبط في صفوفها وسيادة شعور بالاحباط واليأس وسط معلومات عن تصدعات تحدث في قواعدها.

وترى الاوساط السياسية ان هذه الحالة التي وصلت اليها قوى 14 شباط سوف تزداد سوءاً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار ان العوامل التي شكلت الاساس في توحدها وتقدمها وتمكنهامن تحقيق الفوز في الانتخابات النيابية، وحصولها على اكثرية نيابية ومن ثم تشكيلها الحكومة، بدأت تتبدل في غير صالحها ان كان على المستوى المحلي او الاقليمي او الدولي. ‏

فعلى الصعيد المحلي، بعد ان افضت الانتخابات، رغم الاغلبية النيابية التي حصلت عليها قوى 14 شباط، الى نوع من التوازن على صعيد السلطة حال دون تمكنها من استكمال الانقلاب، والذي تمثل في الفشل بالاستيلاء على رئاسة مجلس النواب، او تجاوز التمثيل الشعبي الكبير للمقاومة، او تقصير ولاية رئيس الجمهورية العماد اميل لحود، تلقت قوى 14 شباط سلسلة ضربات قصمت ظهرها: ‏

الضربة الاولى: التفاهم بين التيارالوطني الحر برئاسة الجنرال ميشال عون وحزب الله بقيادة السيد حسن نصر الله والذي أحدث زلزالاً سياسياً واخل بتوازن القوى على الصعيد السياسي والشعبي لصالح الخط المعارض لمنطق ورؤية فريق مايسمى الاكثرية التي اصبحت بفعل هذا التحول مجرد اكثرية ظرفية ولا تعبر فعلاً عن واقع الارادة الشعبية. ‏

وأدى ذلك الى فشل كل محاولاتها المتكررة للاطاحة برئيس الجمهورية وفرض جدول أولويات يتناغم مع الخطة الاميركية الفرنسية لفرض تنفيذ القرار 1559 القاضي بنزع سلاح المقاومة اللبنانية والفلسطينية، ما اضطر قوى 14 شباط الى التراجع والتسليم بالعجز والجلوس الى طاولة الحوار وطي موضوع الرئاسة نهائياً. ‏

وفي الوقت الذي كانت قوى 14 شباط تراهن فيه على حصول تطورات وتبدلات، تعيد اليها زمام المبادرة والهجوم، فوجئت بان الامور لم تتوقف عند هذا الحد بل بدأ منطقها الذي بنت عليه كل التعبئة والشحن والتحريض ضد سورية وحلفائها الوطنيين والعروبيين يتصدع ويتعرض للسقوط في حفرة عدم المصداقية، وتمثل ذلك في واقعتين خطيرتين شكلتا السلاح الاساسي في حملتها: ‏

الواقعة الاولى: تهاوي وسقوط القاضي الألماني ديتلف ميليس في الفخ الذي نصب لايقاع سورية والوطنيين العروبيين فيه، باتهامهم بالوقوف وراء جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وذلك بانكشاف زيف ما استندت اليه تقاريره من شهادات كاذبة وروايات بعيدة عن المنطق القانوني وغير المقرونة باية ادلة ما ادى الى فضيحة كبرى دفعته الى تقديم استقالته، ومن ثم تعيين القاضي البلجيكي سيرج براميرتس الذي جاءت تقاريره معاكسة لتقارير ميليس وتمنيات قوى 14 شباط. ‏

الواقعة الثانية: انكشاف حقيقة الاتهامات المضللة التي استهدفت اتهام سورية بالضلوع بارتكاب مجازر ضد اللبنانيين واخفائها في مقابر جماعية، ومنها مقبرة عنجر التي جرى الكشف عنها ومن ثم قيام قوى 14 شباط بتنظيم حملة مخططة وممنهجة تتهم جهاز الامن السوري بتعذيب مواطنين لبنانيين وقتلهم ودفنهم في هذه المقبرة وطالبت بلجنة تحقيق دولية ومحكمة دولية واعتبار هذه المجزرة جريمة ضد الانسانية على غرار ماحصل من مجازر في كوسوفو. ‏

غير ان نتائج التحقيق الذي اجراه القضاء اللبناني اثبت عدم صحة كل هذه الادعاءات حيث تبين بعد الفحوصات المخبرية ان الجثث المدفونة في المقبرة يعود بعضها الى 50 سنة على الاقل، وبعضها الآخر الى 350 سنة. ‏

الضربة الثانية: سقوط وفشل المراهنة على احداث اهتزازوعدم استقرار في سورية وعلى العكس ادت حملة الضغوط والتجني على سورية وقيادتهاالى تصلب موقفها وتحصين وضعها الداخلي بمزيد من الخطوات والاجراءات الراديكالية التي ادت الى قطع الطريق على بعض المرتبطين بالمشروع الاميركي في بلوغ اهدافهم الانقلابية ما اسفر عن اصابة قوى 14 شباط بالخيبة والمرارة. ‏

الضربة الثالثة: حصول تبدل في خريطة التوازانات الدولية في مجلس الامن الدولي، ادى الى وضع حد لسطوة وتفرد الولايات المتحدة على المجلس، خصوصا بعد انتقال روسيا والصين من موقع مسايرة ومهادنة الادارة الاميركية الى موقع معارضة ورفض هيمنتها، وادى ذلك الى توقف صدور قرارات تتماهى مع التوجهات الاميركية في لبنان وضد سورية، وهو ما آل الى خسارة قوى 14 شباط سلاح استخدام مجلس الامن، عبرسيدها الاميركي، هراوة لفرض التغييرات في لبنان لصالح توجهاتها المتناغمة مع أولويات المحافظين الجدد في واشنطن. ‏

انطلاقا من ذلك وفي محاولة للالتفاف على هذه التطورات وتفادي تداعياتها السلبية على مشروعها، نصف الانقلابي تروج قوى 14 شباط هذه الايام الى ان تراجع واشنطن عن اعتماد الخيار العسكري ضد ايران لصالح اعتماد الخيار الدبلوماسي، وتوجه ادارة بوش الى سلوك استراتيجية الاحتواء مع سورية وايران، يعود الى صفقة قد حصلت على صعيد المنطقة، وليس نتيجة لاخفاق السياسة الاميركية في العراق، وعجزها عن فرض التغييرات في ايران وسورية ولبنان. ‏

على ان كل ذلك لايمكن ان يحجب الرؤية عن التحولات التي يشهدها الوضع اللبناني الداخلي باتجاه يقود الى حصول مزيد من التبدل في المعادلة السياسية لصالح الفريق الوطني والعروبي، وهو ماتجلى في ظهور اللقاء الوطني اللبناني الذي يجمع قيادات وشخصيات وطنية من كل الطوائف والانتماءات وبشكل يتناغم ويتكامل مع كل من حزب الله وحركة امل والتيار الوطني الحر. ‏

ولذلك يسود انطباع لدى المراقبين في بيروت بان هذا الاصطفاف الوطني العريض يسهم في كسر وتحطيم التخندق الطائفي والمذهبي ويمهد الطريق نحو فرض اجراء انتخابات نيابية مبكرة، على اساس قانون جديد، تؤدي حسب كل التوقعات الى تغيير في واقع السلطة القائمة لصالح سيادة اكثرية تضم التحالف الوطني العريض المذكور. ‏