كلما تقدم المرء في السن تقل فيه خلايا المسامحة وجينات طول البال وسعة الصدر. ولذلك تنمو عنده عفويا رغبات العزلة وتنضج لديه حكمة الابتعاد عن الناس. وهكذا يصبح أكثر تبرما بأذواق الآخرين وتصرفاتهم. وتزداد في نفسه شهوة التحسر على كونه لم يولد مصارعا أو شقيقا لمحمد علي كلاي. فإذا علا صوت شاذ في مطعم ألقم صاحبه كرسيا. أو إذا شاهد زبونا يتصرف وكأنه اشترى الموظفين وليس جاط السباغيتي، امسك به من عنقه وحمله ورماه مع بقايا ورق الفجل والخس في المطبخ.

مجرد تمنيات. فنحن في زمن افتراضي في أي حال، لأن الحقيقة لم تعد تطاق. على أنني أحب أن اكرر، في كل مناسبة، أنني لا اقصد أن أغير على ذوق احد، وللناس في ما يحبون حريات. وإذا كان من في عمري تضيق مشاعره وأعصابه بمن لا يهوى، فإن مشاعر الشباب تتسع لكل شيء، من عازفي الطبول إلى مزعقي الأهوال إلى معجبي السيدة هيفا وهبي. أو هيفا فقط، لجماهيرها الغفيرة.

ولا شيء شخصيا، أو عاما، ضد السيدة هيفا. فهي ظاهرة حلوة تكاد العرب تجمع عليها. ونحن مع أي شيء أو كائن أو فكرة، يتفق حوله العرب. واعترف بأن محاسن أو مفاتن السيدة هيفا لا تدخل في نطاق ذوقي، حتى لو عدت إلى الوراء ما يقتضي من سنين، أو عقود. لكنني بكل صدق معجب بذكاء ومهارة السيدة صاحبة أغنية «بوس الواوا». لقد استطاعت، بصوت متواضع وأداء متدالع، أن تصبح حديث الأمة. وروى لي صديق كبير انه شاهد موكبها مرة في باريس فظنه موكب «ماري أنطوانيت». وهذا ليس حال الفنانات العربيات وحدهن ممن يؤدي هذا النوع من التأليف والتلحين. أو شيء من هذا القبيل.

هذا نوع من المسرح التشكيلي له جمهوره. وله أناس تنط وتقعد كالجنادب كلما غوت السيدة هيفا وغنجت ونادت «بوس الواوا». ولم أكن قد شاهدت الفيديو كليب المذكور برغم سماع بعض مقاطعه على الراديو. وحصل أو حدث لي قبل أيام أن رأيت قليلا منه، والكثير من السيدة هيفا. ولي اعتراض: لماذا الطفل في الكليب؟ ولماذا تغيير جميع أنواع ملابس الطفل؟ ولماذا السيدة هيفا في دور أم في حين أنها ذاهبة إلى السهرة وتستعد لها بجميع أنواع ما يلبس وما يخلع. لماذا نصور هذه الأغنية العارية على أنها أغنية للأطفال وليس كما هي بالفعل: أغنية للمتصابين والجاهلين وأسرة النادي الهيفاوي، الذي يظن انه يضحك من هيفا. والسيدة هيفا فاقعة على ظهرها من الضحك.