رئيس وزراء العراق نوري المالكي كتب رأيه في عمل حكومته ومستقبل العراق فقال ان حكومة الوحدة الوطنية التي يترأسها ستعمل على توفير الأمن والخدمات ومكافحة الفساد المستشري، ووعد بأن تهزم الارهاب والطائفية ليقوم عراق موحّد ومستقر وديموقراطي.

هذا جميل ولكن هل هو ممكن التحقيق؟ السيد المالكي كتب رأيه في «واشنطن بوست» في التاسع من الشهر الجاري، فلم يمضِ يومان حتى كانت «نيويورك تايمز» تنشر خبراً نسبت فيه الى الحكومة العراقية الجديدة قولها إنها قررت تأجيل أي طلب للتفاوض على أساس قانوني لوجود القوات الأميركية الحليفة في العراق، مع ان قرار مجلس الأمن 1637 الذي انتهى مفعوله الخميس الماضي يعطي الحكومة العراقية حق ان تطلب منفردة من قوات التحالف ترك العراق.

القرار 1637 أقر في الثامن من تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، وهو يعطي التحالف السلطة القانونية لمواصلة العمليات العسكرية، غير ان من الواضح ان الحكومة العراقية تدرك انها لا تزال في حاجة الى القوات الأميركية في المستقبل المنظور.

بعد ذلك، شهدت نهاية الأسبوع هذا جدلاً أميركياً – أميركياً على الوجود الأميركي في العراق، فالديموقراطيون يريدون الانسحاب، والإدارة والجمهوريون في مجلسي الكونغرس يعارضونه، فكان ان عرض الجمهوريون في الكونغرس مشروع قرار يقول ان على الولايات المتحدة إكمال «مهمة إنشاء عراق مستقل حرّ آمن موحّد» من دون تحديد موعد اعتباطي للانسحاب او إعادة الانتشار، ووافق الكونغرس في النهاية على مشروع القرار هذا بغالبية كبيرة من الحزبين.

أفهم من موقف الكونغرس ان المستقبل المنظور أصبح المستقبل البعيد المدى، والرئيس بوش بعد زيارة الساعات الخمس ونصف الساعة الى بغداد، عاد ليطلب مزيداً من الصبر، مع أن الأميركيين، أو الغالبية منهم، فقدوا صبرهم، فقد أنفقت الولايات المتحدة حتى الآن حوالى 300 بليون دولار على الحرب وخسرت 2500 جندي، فهل تصبر على 300 بليون أخرى و2500 جندي قتيل آخر؟ أظهرت ثلاثة استطلاعات مختلفة للرأي العام الأميركي في الأيام الأخيرة فقط ان غالبية من الأميركيين ضد الحرب وضد جورج بوش شخصياً.

لن أفلسف الأمور، وإنما أقول بأبسط عبارة عامية باللبنانية ان الأمور في العراق «مش زابطة»، وأعتقد ان القارئ العربي يفهم المعنى، وجورج بوش يزور العراق فلا يعرف نوري المالكي بوجوده الا قبل خمس دقائق من اجتماعهما، ورئيس وزراء العراق يكتب مقالاً لجريدة أميركية عن طموحاته لبلاده، فلا يرد فيه اسم الولايات المتحدة أو أي إشارة إليها ولو مرة واحدة، ويبدو ان السيد المالكي يدرك على الأقل ان أمن العراق ووحدته لن يتحققا من طريق ادارة بوش ومندوبها السامي في بغداد. ولعلّ الرئيس بوش نفسه يعرف في قرارة نفسه فشل مشروعه العراقي فهو بعد عودته من بغداد لم يتحدث عن الأمن أو دحر الارهاب، وإنما اقترح عناصر أخرى لقياس النجاح هي زيادة انتاج البترول وعدد ساعات توافر الكهرباء كل يوم. غير ان صدام حسين كان قادراً على إنتاج ضعفي الإنتاج الحالي بعد طرده من الكويت لو سمح له بالتصدير، وهو أصلح محطة كهرباء الدورة خلال أشهر من خسارته الحرب، وعلى رغم الحصار، والأميركيون لا يزالون بعد ثلاث سنوات على الحرب و «إنجاز المهمة» لا يحققون ما حقق الرئيس المخلوع تحت الحصار. وطبعاً فأمثال الزرقاوي ما كان يمكن ان ينشطوا في ظل نظام صدام حسين، فهو كان أسبق الى الإرهاب منهم جميعاً.

مرة أخرى «مش زابطة»، وفيما كان الكونغرس يبحث في البقاء أو الانسحاب كان يخصص مبلغاً طارئاً جديداً لنفقات الحرب في العراق وأفغانستان، يضاف الى كل مبلغ سابق هو 66 بليون دولار. بل إن العجز تجاوز حدود العراق، فمعتقل غوانتانامو حالة تستعصي على الفهم، وقد زاد انتحار ثلاثة معتقلين، هم سعوديان ويمني، قبل أيام تركيز الأضواء على المعتقل.

مركز الحقوق الدستورية الأميركي أعلن ان إدارة بوش تحرم المعتقلين أبسط حقوقهم القانونية، والصليب الأحمر الدولي ومنظمات حقوق الإنسان الكبرى كافة، بما فيها الأميركية، طالبت بإغلاق المعتقل، كما طالبت دول في الشرق والغرب. ووصل الأمر أخيراً ان بريطانيا وألمانيا والدنمارك انضمت الى المطالبين بإغلاق المعتقل، مع العلم ان بريطانيا الشريكة الأساسية في الحرب، وأن للدنمارك جنوداً في العراق، وان ألمانيا خففت معارضتها للحرب بعد اختيار أنغيلا مركل مستشارة. وقالت هارييت هارمان، وزيرة الشؤون الدستورية البريطانية، «اذا كان المعتقل شرعياً تماماً، ولا مخالفة فيه، فلماذا لا ينقل الى أميركا؟»

نعم لماذا؟ أو لماذا لا يغلق طالما انه لم يتهم أحد فيه أو يحاكم، ناهيك عن ان يدان.

كل يوم هناك دليل آخر على عجز إدارة بوش عن اتخاذ القرار الصحيح أو المناسب، فلا يبقى لي سوى الدعاء ان يكون الله في عون العراق وشعبه وحكومته.