بعكس ما يمكن ان يفهم من المصالحة التي طرحت على أرضية الخطاب السوري المعارض، فإن هذا المصطلح يمكن إسقاطه بشمل أدق على المصالحة الداخلية بين الثقافة الاجتماعية وتطلعات المستقبل .. فالمصالحة ليس إجراءا سياسيا فقط، بل هي إستراتيجية عامة للثقافة الاجتماعية.

ما يوحي بالمصالحة لا يرتبط بالبرنامج السياسي أو حتى بسرعة الحدث بل لأن الحديث عن "العلمانية" و "الثقافة التراثية" توحي بأن التناقض القائم لا يملك جسورا داخل المجتمع، بينما يعيش الناس في ظل غطاء ثقافي لا يقدم إلا الأفكار دون الآليات. وعلى خلفية تصاعد التصريحات التي ترى نفسها "معارضة إسلامية" فإننا نتوقف عند مؤشرين اساسيين:

 الأول هو ان غياب الإسلاميين لم يكن يعني غياب العامل الثقافي لهم عن الساحة السورية. فالعنف السياسي المرافق لبعض التيارات هو الذي غاب. والموجودون في الخارج سواء عادوا افرادا أو كتشيكلات فإن مسألتهم قبل المصالحة مع الدولة والحكومة، هو البحث عن مصالحة ذاتية بين ما يعتقدونه وبين مستقبل سورية!! فالعامل الثقافي الديني موجود سواء عادوا أو بقوا في الخارج. والمنبر الديني هو الوحيد الذي لا يحتاج لتيارات محددة طالما انه شبك نفسه مع الثقافة الاجتماعية السائدة ..

 ثانيا هو اعتبار "الثقافة الإسلامية" شكل نمطي يحدده البعض على الطريقة التراثية المعهودة، بينما نستطيع خارج ما يسمى بـ"الإسلام السياسي" إيجاد المنافذ الكاملة للفعل الثقافي دون أن يكون هذا الموضوع مرتبطا بتكوين له زمن ماضوي أو شكل جغرافي محدد. لأننا عندما نتحدث عن الفعل الثقافي فإننا نتحدث عن حجم من "التراث النفس" الذي يبقى فاعلا حتى في لحظة "الإبداع الحداثي"

المقصود بالمصالحة الاعتراف بعدم احتكار الحقيقة .. والمصالحة تتطلب ميزانا عصريا لرؤية المستقبل .. والمصالحة هي حاجة أساسية على أن تبنى وفق حالة من الواقعية وليس على افتراضات يتم تأسيسها بصيغة البيانات السياسية.