تميز تقرير رئيس لجنة التحقيق الدولية سيرج برامرتس لمجلس الامن بمهنية عالية المستوى وشمولية، اصبحت مطلوبة بالحاح بعد مسلسل الاغتيالات ومحاولات الاغتيال التي حصلت قبل استشهاد الرئيس رفيق الحريري وبعده. لذا جاء التقرير حائزا ثقة بالمنهج المتبع وباستفاضة التحليل. كما ان برامرتس صاغ التقرير متعمدا رجحان دقة التعبير للحيلولة دون التسرع في الاستنتاج. كما ان مطالبة التقرير بمزيد من التفاصيل والتحاليل للحمض النووي DNA وغيرهما تضمن في النهاية صدقيته القاطعة التي من شأنها تسهيل حسم الموضوع من خلال المحكمة ذات الطابع الدولي. لذلك تجاوب مجلس الامن بالاجماع مع الطلب اللبناني التمديد سنة للجنة التحقيق الدولية مما يضمن لها "التواصل والاستقرار" في عملية التقدم في التخطيط وفي ضمانات أعضاء اللجنة.
ولعل اهم ما ورد في تفسير تمديد مهمة اللجنة انه بات في امكانها تحصين بنيتها التنظيمية وقدراتها إضافة الى تكييف اجراءاتها الداخلية "لتتناسب مع مستويات ومتطلبات مسيرة العدالة أمام محكمة ذات طابع دولي". كما ان اللجنة التي تنوي توسيع مهماتها لتشمل مسلسل الاغتيالات سوف تعتمد على كشف اوجه المقارنة بين دوافع الاغتيال والاساليب التي لجأ اليها مخططوها ومنفذوها.

ويبدو جليا ان فقرات التقرير تؤكد جدية الالتزام ووضوح الرؤية ووعي اهمية ان تكون النتائج حاسمة وموضوعية، فتشكل بالتالي المرجعية للمحكمة لتصدر احكاماً مقبولة ومرضياً عنها من كل الاطراف.

ثم ان برامرتس نوه بازدياد تعاون السلطات السورية مع التحقيق وبـ"تسلم اللجنة تأكيدات متكررة مفادها ان ما تطلبه لجنة التحقيق سوف يلبى في وقته وبطريقة مرضية"، لكون سوريا "ترغب في ان تؤدي دورا عمليا في دعم اللجنة في التفتيش عن المتسببين بالجرائم".

ان هذا التقدم الواضح في مهنية لجنة التحقيق، ومن ثم التقدم بخطوات عملية واعدة للاحاطة بكل اسباب، ودوافع، مخططي هذه الجرائم ومنفذيها وملاحقتهم ومن ثم كشف نياتهم بدون اقتناعات مسبقة من اعضاء اللجنة ورئيسها، من شأنه ان يجعل التقرير ملبيا للمطالبة الشرعية بالحقيقة.
وهو صحيح هذا النمط العلمي الدقيق والمتسم بالاستقامة والتصميم على كشف الحقيقة، تسهيلا لصيرورة مقتضيات العدالة واراحة الشعب اللبناني من القلق العميق والحزن الراسخ في الوجدان والغضب بشقيه الكامن والمعلن المترسخ في الحالة اللبنانية عامة.

من هذا المنظور علينا ان نتفهم معاناة من اصابتهم المآسي مباشرة، وهم كثر، كما علينا ان نستوعب معاني النقمة التي تلازم عائلات واصدقاء وامتداداتهم في العائلة اللبنانية الكبرى، والعربية والعالمية.

واذا رغبنا في ان يكون قرار بت النتيجة منيعا، علينا اضافة الى استيعاب النقمة، تقليص الاحتقان في الخطاب السياسي المثقل بوتيرة التحريض والتحريض المقابل، مما قد يستبق الاجماع المحتمل بعد انتهاء مسيرة التحقيق والمحاكمة. صحيح ان بعضهم يرى ان ثمة بطئاً في التحقيق، الا ان تسرع اللجنة في اعلان نتائج مبكرة – اعفاء او ادانة – يحول دون التوافق المرغوب الذي وحده يشكل الاساس لاستقرار يزيل القلق السائد ويعزز الرغبة المشروعة في دفع عملية التصحيح الى مبتغاها، في حين ان نزعة الانتقام في اعقاب تسرع في اعلان غير ناضج او غير مستوف شروط قدرة الاقناع الفوري من شأنها ان تهدر تأجيج الوضع القائم وابقاء القلق الذي يهدر حيوية ثقة المواطنين بمستقبلهم ومستقبل لبنان.
فالحكمة الصبورة في هذا الصدد، خصوصا لدى الطاقم السياسي الحالي، هي الجانب الآخر لمهنية التحقيق.