في صلب الهيمنة الاميركية الاسرائيلية على المنطقة، والسعي الى تطويق اي تضامن عربي يتحرك الرئيس بشار الاسد رافضاً الخضوع للهيمنة الاميركية ـ الاسرائيلية ومركّزاً على الثوابت العربية.
انه زمن محاصرة دمشق بعد ضرب العراق من قبل اميركا واحتلاله، وبعد سلسلة اتفاقات منفردة بين اسرائيل ودول عربية، وكل ذلك في سبيل إنهاء المسألة الفلسطينية ومحاصرة العالم العربي ومنعه من اخذ مكانه بين دول العالم.
ضربت اميركا العراق تحت عنوان نزع اسلحة الدمار الشامل، وظهرت الكذبة الكبرى، واستشهد من استشهد من الشعب العراقي، ثم اعترف وزير الخارجية الاميركية كولن باول بأنه اضطر للكذب امام مجلس الأمن ولم يتحرك وجدان العالم، مع ذلك لا أحد يتحدث عما جرى للعراق وعما تم تدميره في العراق وعمن قتل من شعب العراق.
اصبح العراق مفتتاً، فإذا بالبعد الاستراتيجي لجبهة المواجهة مع اسرائيل تصاب بضربة كبرى نتيجة الاحتلال الاميركي، واذا بالولايات المتحدة تندفع مع دول غربية لتطويق سوريا مباشرة، وترفض دمشق الخضوع للهيمنة الاميركية.
كان كلام الرئيس بشار الاسد واضحاً دائماً في المؤتمرات العربية، فسوريا صاحبة قضية وهي تخضع للقرارات الدولية، ولا تخضع لهيمنة اميركية ـ اسرائيلية.
حول هذا الشعار التف الشعب السوري حول الرئيس بشار الاسد، وحول شعار رفض الهيمنة الاميركية ـ الاسرائيلية والالتزام بالقرارات الدولية لقي الرئيس الاسد تأييداً عربياً سواء في الساحة اللبنانية ام في ساحات العالم العربي، ووقفت سوريا وقوف القوي في وجه الطغيان، ووقفت سوريا وقوف صاحب القضية في وجه الظالم، وصمدت واجتازت ضغوطات ومحناً كبيرة، ولا شك ان دمشق قلب العروبة النابض لا يمكن ان تكون الا على قاعدة الثوابت التي وضعها الرئيس الراحل حافظ الاسد والسياسة التي ينتهجها الرئيس بشار الاسد حالياً.
نحن في زمن لا خيار فيه، فإما الخضوع للهيمنة الاسرائيلية، وإما التصدي والممانعة والالتفاف حول دمشق وحول سياسة الرئيس بشار الاسد.
احرار العالم العربي يرفضون الهيمنة الاسرائيلية، واحرار العالم العربي يعرفون ان دمشق هي ملاذ الاحرار، وان تحرك الرئيس الاسد اليوم لزيارة القاهرة انما يدخل في اطار جبهة العالم العربي الواحد، ولو ان واقع العالم العربي هو الحد الادنى من التضامن.
ذلك ان واشنطن وباريس ولندن تضغط في شكل لا سابق له لتمزيق العالم العربي ليسهل امام اسرائيل اخضاع الجميع لهيمنتها واحتلالها للارض العربية لقرون واجيال واجيال.
تحت عنوان نشر الديمقراطية في الشرق الاوسط تجاهلت واشنطن حائط العزل الذي اقامه شارون، وتحت عنوان البحث عن الشفافية تركت واشنطن اسرائيل تجزّئ القرى الفلسطينية وتشرد شعبها في السنوات الماضية وحتى اليوم.
والرئيس الاسد الذي ينظر الى العراق الممزق والذي يرى فلسطين ومأساتها والممانع في وجه الهيمنة الاميركية ـ الاسرائيلية انما يتحرك لحفظ الحد الادنى من التضامن العربي، في زمن لم يعد العرب يجتمعون، لا ليبحثوا احتلال فلسطين ونكبتها بل حتى لبحث احتلال العراق في صورة قاطعة.
حال العرب اليوم مأسوية، وكان الرهان هو على الشعوب، والعالم العربي لديه نبض الشارع ويرفض سيطرة اسرائيل واحتلالها، ويرفض الخضوع لواشنطن.
ويواجه العالم العربي حرباً على هويته، على حضاراته على ثقافته، على وجوده، والأخطر هو الحرب على مستقبله.
اميركا واسرائيل تريدان العالم العربي من دون مستقبل، بل تريدانه أن يبقى اسير الماضي، والماضي ما هو الا سايكس ـ بيكو وتمزيقنا الى كيانات على ان يكون كل كيان ضد الآخر.
هنا يأتي تحرك الرئيس الاسد، ولعل في زيارته للقاهرة ولو ان الزمن قد تغير كثيراً اشارة الى انه يوم اتفقت القاهرة ودمشق نجحتا في تغيير التاريخ عبر حرب تشرين في العام 1973، واما اليوم وعلى رغم تغير الوضع في شكل جذري، فإن التفاهم الرئاسي بين دمشق والقاهرة قادر على تحصين العالم العربي من الازمات المتتالية الآتية عليه والنكبات التي تهدد مصيره ومستقبله.
لا اقتصاد في ظل الهيمنة الاسرائيلية، لا ازدهار في ظل الهيمنة الاسرائيلية، ولا وجود ولا مستقبل ولا أمن ولا ثقافة ولا جامعات ولا فن ولا أدب ولا تطوير للحضارة اذا هيمنت اسرائيل على المنطقة والعالم العربي.
من هنا أهمية تفاهم دمشق ـ القاهرة، ولعل في هذا التفاهم جسراً للعالم العربي يرتكز على اي تضامن عربي محتمل، على أمل ان نصل يوماً الى تضامن عربي حقيقي يثبت تطلعات العالم العربي الى مستقبل يقف فيه بين الامم، ويكون له دور ومسؤولية، ولا يبقى كما هو اليوم في رد الفعل وتحت الضربات والحصار ومشاريع التجزئة.