محمـــــد ح. الحــــــاج

لنتجاوز حقيقة الرفات في مقبرة عنجر " الجماعية " ، ولنعترف أن الاستثمار كان مثالياً، ثم لا نسمح لأنفسنا بمطالبة شركاء الاستثمار أن يتراجعوا، أو أن يعتذروا فهذا ضرب من الخيال، أو ... المحال ، وكان حرياً بمن كتب أو طلب مثل ذاك التراجع، أو الاعتذار... أن يتخذ من سلوك سابق للشركاء مكيالاً يكيل به ملاحق تصرفاتهم غير المنسجمة مع حقيقة يرفضونها، بل تنسجم فقط مع حئيئة يرغبونها ، وإذ جاءت مخالفة للتمنيات فإنه لا بد من تجاهلها ..، لقد أدت الدور المطلوب حين جعلوا منها عاصفة ،.. وفي حينه.

كان بديهياً إدراك أن الهجوم الكاسح الذي شنته أوساط الشركاء على الأجهزة الأمنية اللبنانية ، ووصفها بالشمولية والعسف والقسوة، " والعمالة لمثيلتها السورية " بعد خروج القوات السورية من لبنان ، هو في وجه من الأوجه إنما جاء تثبيطاً لأنشطة هذه الأجهزة ، وإرباكها، وشل فاعليتها إفساحاً في المجال أمام أنشطة كل استخبارات الدول الأخرى وخاصة الغربية وعلى رأسها الاستخبارات الأمريكية والموساد الصهيوني ، وحصل ما حصل في لبنان من تفجيرات تمهيدية .. ثمثيلية، تلتها جرائم قتل طالت رؤوس معارضة للسياسة السورية وكان هجوم هؤلاء على القيادة السورية والرموز الوطنية المتعاملة معها في لبنان بمثابة التصديق النهائي للحكم على أصحاب هذه الآراء بالإعدام ، ليس خدمة لأهداف السياسة السورية ، ولا انتقاماً من مواقفهم، وإنما لتوظيف ذلك في الهجوم على سوريا وتأليب الرأي العام اللبناني والدولي ضدها، بعد أن التقط الموساد الفرصة، واللحظة ووظفها ، ويعلم الجميع أن أي عاقل في العالم لا يتصور أن مسئولاً أو قياديا سورياًً يمكن أن يتصرف على هذا النحو، وكل الأنظار موجهة له، ثم أن هذا السلوك لا يندرج في مواصفات القيادة السورية الواعية ، وفي كثير من المقالات السابقة ( - دم سمير القصير ... دفعة على الحساب ). ، عبرنا فيها ، كما غيرنا، عن الخشية من قدرة الاستخبارات الصهيونية على استغلال مثل هذه الظروف والمواقف ، وخاصة بعد تكبيل رؤوس الأنظمة الأمنية في لبنان وتصفية واستبعاد الكثير من الضباط الوطنيين، ومع ذلك ، لم يفقد الجيش اللبناني ، ولا استخباراته الدوافع الوطنية، ولا الإيمان المطلق بالقدرة على كشف التآمر الصهيوني وتجنيده لبعض ضعاف النفوس ، ونعلم مدى وعي وإدراك هذه الأجهزة لواجبها الوطني، وهكذا كشفت الشبكة العميلة للموساد وصادرت من الأدوات ما يثبت هويتها، وهذه أقرت حتى الآن بكثير من الجرائم التي ارتكبتها أو شاركت في الدعم اللوجستي لمنفذيها ، ومع تشابه الأدوات والأساليب ، وربما المواد المستخدمة ، ودون الإقرار من طرف أعضاء الشبكة يمكن الاستنتاج أن الفاعل واحد في كل الاغتيالات بدءا من الشهيد سمير القصير، انتهاءً إلى جبران تويني ، وقادم الأيام كفيل بكشف الحقيقة المطلوبة .

الحقيقة المطلوبة ، التي تخدم القضية اللبنانية – السورية – الفلسطينية ، هي حقيقة مرفوضة على مستوى الدول المتحالفة ..! ، والدليل على ذلك التحرك المكثف لسفراء وقناصل بعض هذه الدول ، وتعبيرهم عن الاستياء الشديد من التركيز الإعلامي على قضية الخلايا الموسادية، فهذه الحقيقة الواقعة قد تقدم بداية الخيط الذي يوصل إلى كشف كل الجرائم ، ويعرقل مساعيهم في استمرار توجيه الأنظار إلى جهة بعينها ، واكتشاف هذا الخيط يكفي لبعث القشعريرة والاضطراب في أوصال السياسة الأمريكية – الأوروبية – الصهيونية ، التي استثمرت الكثير من الجهود والأموال في شراكة واسعة لتطويق دول المنطقة بحقائق مفبركة، وكان رهانهم على قوة الحبكة والخبرة غير المسبوقة للمخابرات الصهيونية التي نجحت في عمليات أكثر قذارة مما تم تنفيذه في لبنان دون أن يتم الكشف عن تلك العمليات إلا بعد سنوات طويلة ، وبالتالي كان يجيء الكشف في الوقت الضائع دون أن يثير ردود أفعال إلا بالقدر الضئيل، وفقط ، عند بعض من طالتهم يد الأذى الصهيونية ، في حين يصمت المجتمع الدولي ولا يحرك ساكناً بحجة أن ذلك كان في الماضي ، وإذ لا يقتصر التحرك على هؤلاء ( السفراء والقناصل ) فلا بد أن تتحرك آلة الشراكة الداخلية اللبنانية وهي طرف لاشك أساسي ، فتعبر عن تخوفها بلسان أبو فاعور من استثمار هذا الكشف في توجيه التحقيق بعيداً عن الحقيقة ...!!! والتي لا يستطيع أن يقول أنها : الحئيئة المرغوبة من شركاء آخرين لحزبه وقيادته في الداخل، والذين هم بالتأكيد الأكثر دراية وخبرة بالخلايا التي لم يتم الكشف عنها بعد، بل إنهم حماتها ويقدمون لها العناصر والخبرة والغطاء السياسي .!.

يخطئ كثيراً من يعتقد أن كشف خلية تتعامل مع الموساد الصهيوني هي عملية سهلة المنال، وهنا يجب التنويه بحنكة وذكاء عنصر الأمن اللبناني ووطنيته، رغم ما تعرض له من التشكيك ، والتشهير والذم، ويأتي هذا الكشف خلافاً لتوقعات قيادة الاستخبارات الصهيونية ، لكن الكمال لا يكون بالمستطاع عندما يجابه بإرادة تدعمها مصلحة وطنية ، وغاية نبيلة ، وربما يكون للتعاون الشعبي دوره الفعال فقد عانى كثير من اللبنانيين والفلسطينيين جراء العمليات التخريبية الصهيونية ، ولإدراك مدى خطورة الكشف عن هذه الخلية، أو الخلايا السابقة ، يمكن قراءة ما كتبته جريدة يديعوت آحرونوت بدقة وتأن ، حيث تقول أنه وفي حال أن كشف هذه الشبكة هو حقيقة واقعة، فهل يمكن النظر بجدية إلى تحمل الأجهزة الاستخبارية مسئولية ذلك وأن تدفع الثمن ، كما تطالب بمحقق حيادي من خارج أجهزة الاستخبارات ، وتتابع متسائلة : هل أن أجهزة الاستخبارات لم تأخذ عبرة من عمليات كشف شبكات سابقة ؟... !! والجريدة هنا ، لا تنظر إلى الكشف وطلب المحاسبة في سياق استنكار ما تقوم به الاستخبارات الصهيونية في لبنان، ولا ضناً بدماء اللبنانيين ، بل ليكون دفع الثمن ، وربما مضاعفاً ، بسبب الفشل في استمرار التغطية على الشبكة، وعدم إنذار الأطراف المشاركة بها بدنو الخطر وبالتالي دفعهم للتواري والخروج بعيداً خارج لبنان ..!!

وأيضاً لعدم اتخاذ ما يكفل عدم كشف أية شبكة بالعودة إلى دراسة نقاط الضعف التي أدت إلى كشف خلايا أو شبكات سابقة ، وبمعنى آخر أن الاستخبارات فشلت في الاستفادة من دروس سابقة ..! ، الجهات الصهيونية، مدنية كانت أم عسكرية لا تؤمن بأن انكشاف العمليات القذرة هو قدر حتمي وخصوصاً إذا جاء في لحظة حرجة ، أي اللحظة التي يتاح فيها للطرف الآخر اتخاذ إجراء ما ، حتى ولو في سياق شكوى إلى الأمم المتحدة قد تؤثر على السمعة التي تداريها الأطراف الصهيو – أمريكية ، شكوى يناقشها مجلس الأمن ، ثم تطوى صفحتها بفعل - V - فيتو أمريكي ، ويمكننا طرح احتمال، مجرد احتمال: لو أن جزءا من أداة تفجير، أو شبه وثيقة، أو شهادة مفبركة بطريقة شبه مقنعة تشير إلى تورط سوري، أو جهة لبنانية محسوبة على سوريا في أي من عمليات القتل التي حصلت على الساحة اللبنانية ، فهل كانت محطات التلفزة، ووكالات الأنباء، والإذاعات، وكل الأبواق الأمريكية، والأوروبية، وبعض العربية – العبرية ، المملوكة صهيونياً ، هل كانت لتتوقف عن البث والتكرار على مدار الأربع وعشرين ساعة وربما لشهر أو أشهر ..؟.

الحقيقة المطلوبة عالمياً وإنسانياً هي حقيقة تكشف الدور الأمريكي – الصهيوني في اضطهاد شعب فلسطين، وتدمير العراق ، واستهداف سوريا ولبنان وإيران، وتخريب استقرار أكثرية دول العالم، وهذه حقيقة مرفوضة أمريكيا، وصهيونيا، واستطرادا أوروبيا في بعض جوانبها بسبب التبعية، أو الخوف من انتقام أمريكي - صهيوني ، ولو أرادت الإدارة الأمريكية الانصياع لمطالب العالم الذي يقيم للإنسانية معناها، ويحفظ لها إنسانيتها ومثلها، لما استمرت في احتجاز حرية آلاف الشباب من كل الجنسيات تحت ذرائع واهية ولسنوات طويلة دون أن تجد دليلاً واحداً يدين أي منهم، أو على الأقل لكانت أغلقت معسكر غوانتانامو غير الشرعي، والذي دفع ببعض من فيه إلى شنق أنفسهم في حين لم تتح الفرصة لغيرهم ليحذو حذوهم ، ولهذا المعسكر أمثاله من السجون الطائرة والمتناثرة على أراضي الكثير من دول العالم حيث الحكام العملاء، القانعين برشوة أمريكية تافهة مقابل إجازة مفتوحة لضمائرهم وتجرد تام من إنسانيتهم، وما استمرار اعتقال الكثير من الأبرياء الذين لم يحملوا سلاحاً أشد وقعاً على نفس قادة أمريكا من آلة تصوير تلفزيونية أو سينمائية توثق أعمال قواتهم " الإنسانية "...

اللا أخلاقية ، أو رسالة صوتية توضح للعالم حقيقة هذه الأعمال المستهجنة ، ( سامي الحاج، وتيسير علوني ، وشهداء الصحافة والإعلام من المراسلين العرب والأجانب ) الأعمال التي بدأت بمجازر قلاع أفغانستان العديدة، وصولاً إلى شوارع بغداد وتكريت والفلوجة وكربلاء والأنبار والعمارة والرمادي وغيرهم ، وختام رحلة العذاب لبعض من بقي حياً كانت ...، معسكر أبو غريب ، حيث ، وذرا للرماد في عيون العالم حكمت " العدالة الأمريكية " ببضعة أشهر سجن لبعض المجندين لقسوتهم ...!!! في التعامل مع ضحاياهم من العراقيين ، بينما برأت الذين ارتكبوا مجازر موثقة بحق المدنيين في كل مكان وطأته أقدامهم الهمجية .

حقائق أخرى، لأعمال الأدوات الصهيونية على أرض فلسطين السليبة، وبحق أبناء الأرض الأصليين ، تشمل الإعدام والاغتيال، والنسف، والتخريب ، وتشكل جرائم حرب موصوفة، كونها مجازر بحق المدنيين العزل، يجري الصمت والتعامي عنها،.. دولياً... لا بل تصل الوقاحة حدودها عندما تتصدى مراجع عليا في قيادة سياسة العالم لتوصيف هذه العمليات البربرية بأنها " دفاع عن النفس ...!!!" .

الحقيقة المرفوضة أمريكيا، هي مرفوضة عند بعض الأتباع من فريق 14 آذار عن سابق تصور وتصميم فلهم حئيئتهم المرغوبة، ( تلك التي تؤدي إلى إدانة سوريا ومن يقف إلى جانبها ) ، ومرفوضة أيضاً عند البعض من هذا الفريق بسبب تبعيتهم أو عمالتهم، أو بسبب ما أصابهم من عمى بصيرة يصعب الشفاء منه ، حتى ولو ظهرت الحقيقة .... الحقيقة .