صالح النعيمي (www.naamy.net)

بخلاف القناعة السائدة، فأنه من المفترض أن تلعب المواقف الإسرائيلية دوراً حاسماً في إنجاح الحوار الفلسطيني الداخلي، فالمواقف الإسرائيلية العلنية من قضايا التسوية تجعل جدل أطراف الحوار الفلسطيني حول هذه القضايا مجرد " ترف فكري " لا ضرورة له. فبالنسبة للدولة العبرية، فأن الفلسطينيين سواء كانوا " متطرفين " أو " معتدلين "، لا يمكنهم أن يكونوا طرفاً في مثل هذه التسوية. ولعل التصريحات التي أدلها بها مؤخراً الجنرال جيورا ايلاند مدير مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، وهو أحد أهم مرجعيات اتخاذ القرار في الدولة العبرية تؤكد ذلك، عندما قال أنه لا يمكن التوصل لتسوية بين الشعب الفلسطيني ودولة الاحتلال، لأن الدولة العبرية لا يمكنها أن تقبل بموقف أكثر الأطراف الفلسطينية " مرونة واعتدالاً ". والمفارقة، أنه في الوقت الذي يبذل ممثلو الفصائل الفلسطينية كل هذا الجهد من أجل جسر الهوة فيم في المواقف من قضية التسوية مع دولة الاحتلال، نجد أن الدولة العبرية وجميع الأحزاب السياسية فيها لم تعد تتحدث عن تسوية، بل عن خطوات احادية الجانب.

وفي الوقت الذي نشبت فيه " حرب صياغات " بين ممثلي " فتح " وحماس خلال جلسات الحوار الوطني فيما يتعلق بمرجعية التفاوض مع إسرائيل كما نصت عليها وثيقة الأسرى، نجد أن أحداً في إسرائيل لا يتحدث عملياً عن مفاوضات. فالحكومة الحالية والأحزاب المكونة لها، وبدعم من الإدارة الأمريكية، تتجه فقط الى تنفيذ خطة " الانطواء "، احادية الجانب الهادفة الى تصفية القضية الفلسطينية، عن طريق تكريس سلخ أكثر من 60% من مساحة الضفة الغربية من الوطن الفلسطيني وضمها لدولة الاحتلال. أما بالنسبة لحديث نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي شمعون بيريس عن مفاوضات بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس واسرائيل، فأننا نترك الحديث لزميله الوزير الإسرائيلي السابق موشيه شاحل الذي وصف تصريحات بيريس هذه بأنها " جزء من مسيرة الخداع التي تمارسها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني "، حيث يؤكد شاحل أن هناك عملية تبادل أدوار تتم بين بيريس ورئيسه اولمرت، تهدف الى تهيئة الأجواء الى تنفيذ خطة " الانطواء " في الظروف " المثلى ".

ومن المضحك المبكي أن يستغرق المتحاورون الفلسطينيون وقتاً طويلاً في النقاش حول قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، وكأنه لو وافق الطرف الفلسطيني على هذه القرارات لتم تطبيقها فوراً. فليس فقط إسرائيل لا ترى في قرارات الشرعية الدولية منطلقاً لحل القضية الفلسطينية، بل أن الإدارة الأمريكية والكثير من الدول الأوروبية تحذو حذوها. فإسرائيل وبتشجيع من امريكا تجاوزت قرارات مجلس الأمن واتفاقية أوسلو وخطة خارطة الطريق، ولم تعد إلا خطة الأنطواء التي يبشر بها أولمرت. والمضحك المبكي أيضاً، أن الطرف الإسرائيلي الذي تراهن عليه بعض أطراف الحوار الوطني الفلسطيني في التوصل لتسوية سياسية، هو الذي يتولى عملياً الاشراف على تنفيذ المجازر ضد الأطفال والنساء والشيوخ الفلسطينيين. فزعيم حزب العمل ووزير الحرب الصهيوني عمير بيريتس الذي يوصف بأنه " زعيم الحمائم " في الحكومة الإسرائيلية الحالية هو الذي يخرج بعد كل مجزرة ترتكب ضد الفلسطينيين ليصرح بأنه كان له شرف اصدار الأوامر لتنفيذها، كما حدث بعد اغتيال المجاهد جمال ابو سمهدانة قائد لجان المقاومة الشعبية واربعة من اخوانه.

لقد كان من المهم أن يتوافق المتحاورون في الساحة الفلسطينية حول ظروف المقاومة، وشروطها وتأثرها بعوامل الزمان والمكان، لكن في المقابل، فأنه حتى الكثير من الإسرائيليين يرون أنه في الحقيقة لم يعد أمام الفلسطينيين إلا المقاومة المسلحة وحتى العمليات الاستشهادية لوقف الظلم الذي يتعرضون اليه، كما عبر عن ذلك بجلاء الكاتب الصهيوني جدعون ليفي. وفي ذات الوقت، فأن قادة الدولة العبرية يشددون كل صباح ومساء على أن توقف المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال لا يعني بحال من الاحوال إبداء أي مرونة في مواقف " إسرائيل " من التسوية. ومن الأهمية بمكان الاستماع الى حنان كريستال، أحد كبار المعلقين السياسيين في الدولة العبرية في تعليقه على الجدل داخل فلسطين حول وقف المقاومة ضد الاحتلال، حيث قال " لو قام ابو مازن بتقديم رؤوس المقاومين الفلسطينيين على طبق من فضة لدولة إسرائيل، لما وافقت إسرائيل على ابداء مرونة ترضي أكثر الأطراف الفلسطينية اعتدالاً ".

لقد تم اشغال الرأي العام الفلسطيني بالجدل الكبير حول وثيقة الأسرى، في الوقت الذي تؤكد فيه جميع الدراسات في إسرائيل أن المجتمع الصهيوني يتجه بقوة نحو التطرف والشوفينية والغلو في المواقف السياسية من الصراع مع الشعب الفلسطيني. بشكل بات معه فيه يجمع علماء الاجتماع السياسي في الدولة العبرية على أن امكانية التسوية بين إسرائيل والعرب باتت مستحيلة بسبب الجنوح الهائل للمجتمع الإسرائيلي نحو تبني المواقف المتشددة.

من هنا، فلنتوقف عن " ظلم " إسرائيل باتهامها بدور في إفشال الحوارات الوطنية، فمواقف إسرائيل تحديداً، هي التي يتوجب أن تعلب الدور الأساسي في انجاح الحوار.