ربما يشعر بعض القراء بالاستياء مني إن قلت أنني لم أشاهد ولا مباراة حتى الآن من مباريات كأس العالم ، وهذا ليس زهدا بالرياضة بقدر ما هو تعبير عن استياء عميق من تحول هذه اللعبة الذكية والممتعة إلى مجرد تجارة واستثمار لعواطف البشر ، بلا اعتبار لأي قيمة عليا مثل حق الجميع فقراء وأغنياء بالاستمتاع بمشاهدة المباريات ، قصة فك التشفير حلت جزءا من المشكلة ، لكنه حل غير أخلاقي فهو نوع من السرقة ، لكنه جاء رد فعل لعمل غريب مستهجن حرم ملايين المهووسين بالكرة من متعة كانت مجانية ،

لم تتجاوز أرباح الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) عام 1906 أكثر من 500 فرنك سويسري ، أما اليوم فيُنتظر أن تقترب إيرادات المونديال من ملياري يورو.

نفوذ الفيفا توسع مؤخرا ليشمل تنظيم المناطق التي تحيط بالملاعب ، مما تسبب في إثارة العديد من الانتقادات ، حتى أن البعض اعتبر الاتحاد قوة احتلال ، بعد أن أضحى في السنوات الأخيرة عملاقا اقتصاديا ، يمتد نفوذه إلى خارج البساط الأخضر وعالم الكرة ، مدينة هامبورج الساحلية مثلا اضطرت إلى تغيير اسم ملعبها من استاد جدء إلى استاد كأس العالم ، وذلك في فترة إقامة مباريات البطولة ، كما اضطر المركز الرئيسي لشركة نايكي في مدينة فرانكفورت لتغطية شعاره فوق البناية ، وأُجبرت بلديات بعض المدن الألمانية على تغيير أسماء ملاعبها لتتطابق مع الشركات الكبيرة الممولة والراعية لها ، فتجد هناك ملعب البنك التجاري (بدلا من ملعب فرانكفورت) وملعب فيلتينس (شركة انتاج بيرة،) وملعب اليانز (شركة تأمين) وملعب فولكس فاجن ، كما أن الاتحاد يشترط في عقوده مع المدن المنظمة ضرب طوق تجاري،
حول الملاعب التي تجري عليها مباريات البطولة ، فلا يحق لأي كيان اقتصادي أو سياسي التواجد بجوار الملاعب باستثناء الشركات الراعية للبطولة.

على سبيل المثال ليس من المسموح جوار الملعب بيع أي مشروب سوى مشروب كوكاكولا ، لأن شركة كوكاكولا إحدى الرعاة الرسميين،،

المزعج في المشهد ، ان العرب - مثلا - ليس لهم حضور حقيقي في هذا العرس العالمي ، إلا كجمهور ، مع أنهم يدفعون ملايين الدولارات لتأهيل فرقهم لمجرد نيل شرف المشاركة وتشجيع هذا الفريق أو ذاك ، الذي ربما لم يسمع أعضاؤه باسم هذه الدولة العربية أو تلك ، التي يهيج شعبها ويموج انفعالا بفوز فريق ما ، وعادة ما تنتهي مشاركة العرب في المونديال بفضيحة ، كما حصل مع الفريقين العربيين اليتيمين المشاركين فيه، المونديال ، واحد من مظاهر الاستلاب الحضاري ، الذي يجعل مركز الكون هو الغرب ، وعلى الآخرين أن يدوروا في فلكه ،