خطف الصحافي الاميركي (من أب لبناني وأم ايرلندية) تشارلز غلاس خلال حرب لبنان وبعد شهر استطاع الفرار من خاطفيه. وقد حال ذلك دون ان يقوم برحلة على خطى لورانس العرب، بدءاً من العقبة، لمناسبة مرور 70 عاماً عليها. وقبل اعوام قام بالرحلة من جديد، وكانت خلاصتها كتاباً من 472 صفحة بعنوان «القبائل المنتصرة»، هو عبارة عن يوميات وسفر وملاحظات ولقاءات في العواصم والمدن والمحطات الحدودية الخالية.

ومن يعرف تشارلز غلاس لا بد ان يتوقف عند ملاحظة يمكن تسميتها «فرويدية» في التعبير الحديث، او «ابن أبي ربيعية» في المألوف القديم، وهي انه يشاهد في كل مكان امرأة جميلة، حتى لو لم يكن يبدو منها سوى عينيها، كما في ايام عمر. فيتمهل في كل مكان، من العقبة الى بيروت، ليردد: كانت من الجمال بحيث تركتها تتحدث وأطلقت لنفسي الاصغاء والصمت.

يقابل غلاس في عمان رئيس مجلس الاعيان، السيد زيد الرفاعي. ويستعيد معه ذكرى حرب 1970 بين الاردن والثورة الفلسطينية. ويروي زيد الرفاعي انه عندما تدهورت الامور كثيراً، اوفده الملك حسين على رأس وفد لمقابلة ياسر عرفات ومطالبته بمغادرة عمان. وفكر ابو عمار طويلا ثم قال للوفد: «ان افضل ما يمكنني ان افعله في مثل هذا الوضع هو ان أمنح الملك حسين 24 ساعة لمغادرة عمان».

ويسأل غلاس زيد الرفاعي: هل تصالح الرجلان فيما بعد؟ الرفاعي: آه، طبعاً. لقد اصبحا صديقين. وعندما كان ابو عمار يأتي الى هنا كنا نقيم له استقبال رؤساء الدول. ففي العالم العربي يجب ان تكون ذاكرتك قصيرة جداً. وإلا لن يتحدث احد الى احد!

ذكرني ذلك بيوم غادر ابو عمار بيروت العام 1982 بعد الاجتياح الاسرائيلي على ظهر سفينة متجهة الى اثينا. فقد ذهب زعماء بيروت لتوديعه. وفيما هم على ظهر السفينة اشتد الهتاف في الخارج، فقرر ابو عمار النزول الى رصيف الميناء لتحية الجماهير. وجلس الزعماء في الردهة ينتظرون عودته. وطال الانتظار. وتساءل الجميع بنظراتهم عما يمكن ان يكون قد حدث.

وتطلع الرئيس سليم الحص في المجموعة وقال ضاحكاً في تلك اللحظة الرهيبة: «من معرفتي بالأخ ابو عمار، اعتقد ان السفينة ستبحر بنا الى اثينا وهو عاد الى بيروت».