لا يختلف المتابعون للشأن الكردي في سورية بان القوى الكردية ومنذ تأسيسها كان نضالها ينسجم إلى حد بعيد مع مفهوم المجتمع المدني ،فهي كانت تعتبر نفسها جزءا من مؤسسات المجتمع في سورية منذ أواسط القرن المنصرم وأصرت هذه القوى على النضال من اجل الديمقراطية في البلاد وبناء علاقات الصحيحة بين المجتمعين الكردي والعربي ووقفت هذه القوى ضد محاولات شق الصفوف في مناطق تواجدها ، وطبعا هذا الفعل الكردي مستند إلى موروث سياسي وكفاحي منذ مقاومة الاستعمار في الأراضي السورية.

في كل فترات حياتهم السياسية أراد الكرد إعادة التلاحم والدور الذي كانوا يتمتعون به وفقدوه على حين غرة.هذا المذاق التلاحمي أصبح هاجساً كردياً ومطلبا ملحاً فناضلوا طيلة تواجدهم كقوى سياسية لإنجازه في سورية ، فطالبت بعض فصائلهم بالانضمام إلى "الجبهة الوطنية التقدمية"، ومازالت بعض هذه الفصائل تتأمل أن تبلغ هذا الهدف رغم دخول بعضها إلى "إعلان دمشق" . طبعاً قبول الفصائل التي كانت تحلم أن تكون جزءاً من الجبهة مصدرها خيبة الأمل من الدخول إلى هذا الإطار السياسي السلطوي وإصرار تنظيمات هذا الإطار السلطوي على إقصاء القوى السياسية الكردية وتهميشها ،وكأنها الشيطان . لم تر القوى الكردية أي خيار أمامها إلا النضال ضد هذا العامل العنصري الموجود في صميم القوى السياسية السلطوية واتفقت مع بعض القوى العربية أن تحصر نضالها على عدد من المفاهيم والمبادئ عرف ب"إعلان دمشق". هذا الإعلان الذي رحبت به غالبية المثقفين العضويين(حسب تعريف غرامشي) وغالبية المنظمات الحقوقية وأنصار المجتمع المدني وطلاب الإصلاح والتغيير. تم انتقاده من قبل بعض التيارات الكردية التي وجدت على الأرض بعدما طغت ثقافة الشعبوية والشعاراتية في أوساط الكرد . ولا نستغرب إن بعض الأحزاب الكردية التي لا تملك تجربة سياسية تقتنع إن المسافة باتت قريبة بينها وبين تشكيل الدولة القومية لذا نرى إن محازبي ومناصري هذه الأحزاب أصبحوا يرسمون لأنفسهم مستقبلاً سياسيا فأصبحت بعض الأحزاب تطرح مفردات جديدة مصحوبة بطروحات فيدرالية يراد تطبيقها في سورية .

في الحقيقة إن عدم الانتباه للمفردات الخطابية والسياسية وعدم قراءة زمان ومكان طرح الشعارات أوقع بعض القوى الكردية السورية في تناقض مع الحراك السياسي الكردي ومع الهدف الذي وجدت هذه القوى من أجله وبالتالي بات هذا الحراك بعيداً عن خدمة المجتمع المدني . إن تخبط بعض القوى الكردية السورية وابتعادها، من الناحية الفعلية ، عن حراك المجتمع المدني يرتبط بالبنية القانونية للسلطة ويتعلق بالوضع الكردي وحالته المأزومة أصلاً، وبمعنى آخر يبدو إن تناقضاً بين بعض القوى الكردية ومفاهيم المجتمع المدني يعود إلى الأسباب التالية :

دستور بلادنا لم يأخذ على عاتقه ليكون مرجعا فكريا وسياسيا للمجتمع المدني بشكل عملي،حتى اذا تواجدت فيه بعض مفاهيم المجتمع المدني .

تعدد الأحزاب وتعدد الطروحات و الصراعات الحزبية التناحرية وعدم التزام بعض القوى الجديدة الكردية برؤية موحدة وعدم معرفة دور الأحزاب في بناء الديمقراطية والمجتمع المدني وكيف تبنى النضالات وتتأسس الشعارات إضافة إلى عدم وجود رؤية واضحة وشفافة حول مستقبل الكرد وضرورة التلاحم مع القوى العربية في سبيل بناء عقد اجتماعي بين الكرد والعرب.

هذان السببان يحولان دون اندماج وتكيف الكرد مع المجتمع السياسي السوري مع إن برامج كل الأحزاب السياسية ولغة تخاطبها لا تفتقر إلى مفاهيم المجتمع المدني والديمقراطية مثل حقوق الإنسان ، حقوق المرأة،المطالبة بحرية التعبير والرأي وفصل السلطات وبناء دولة المؤسسات والبحث عن حكم الرشيد. خطاب القوى الكردية ينسجم إلى حد بعيد مع مفاهيم المجتمع المدني إلا إن هذا الخطاب يبقى لا معنى له عندما يكون غائبا في المجال العملي - التطبيقي . والسؤال هل ثمة تفكير لدى الكرد لإنجاز توازن بين البعدين العملي النظري