عيسى القدومي

في ظل الأوضاع المتشابكة على أرض فلسطين، التي وفرت الفرصة الذهبية للمؤسسات والجماعات اليهودية العاملة على هدم المسجد الأقصى وإقامة المعبد اليهودي على أنقاضه لينفذوا ويسارعوا في تهويد القدس وإقامة المنشآت حول المسجد الأقصى وأسفله لتكون أماكن عبادة ومتاحف ومزارات ليهود العالم والمحتلين في فلسطين، واتبعت مؤسسات الاحتلال وأذرعها المختلفة أسلوب التكتم على هذه الأعمال وإخفائها لحجب الرؤية لفترة من الزمن ثم إعلانها للجمهور العام؛ ولعلنا نلقي الضوء على إحدى تلك المشاريع التهويدية:
كانت المفاجأة بدعوة الصحافة العبرية الجمهور العام للمشاركة في المراسيم الاحتفالية برعاية رئيس الكيان اليهودي "موشيه كتساب" وشخصيات دينية وسياسية يهودية لافتتاح كنيس يهودي أطلقوا عليه مسمى "قاعة صلاة كبيرة" في محيط المسجد الأقصى وفي أسفله؛ وخلال تلك المراسيم طالب "كتساب" بتنفيذ مخطط لربط طرفي الطريق الذي يبدأ من أسفل حائط البراق وينتهي بحي سلوان المحاذي للجدار الجنوبي للمسجد الأقصى المبارك.

والموقع هو استمرار لحائط البراق وجزء لا يتجزأ من الحائط الغربي للمسجد الأقصى ويقع أسفل المدرسة التنكزية وهي الأخرى جزء لا يتجزأ من المسجد الأقصى المبارك، والموقع عبارة عن قناطر واسعة وأقواس وفناء واسع يشكل روعة من البناء المعماري الإسلامي بطول نحو خمسين متراً وارتفاع نحو 15 متراً وعرض نحو10 أمتار، المكان محتشد الآن بيهود يؤدون "الصلوات" ويحملون أسفار التوراة في أنحاء الفناء كله، الأعمال الإنشائية الجديدة واضحة للعيان، شبكات الإنارة والمكيفات الجديدة، خزانة التوراة الكبيرة وأخرى صغيرة، الأقمشة الفاخرة على طاولات القراءة، الكتب الدينية اليهودية في كل ناحية، والمعنى أن المكان الجديد هو عبارة عن كنيس يهودي بكل معنى الكلمة، فحسب التعريف المشهور للكنيس هو عبارة عن قاعة صلاة تتضمن خزانة مقدسة تحوي أسفاراً من التوراة تُؤدى فيها الصلوات، فالمكان إذاً هو كنيس يهودي في منطقة حائط البراق والجدار الغربي من المسجد الأقصى، على الرغم من أن المكان وقف إسلامي وجزء لا يتجزأ من المسجد الأقصى المبارك.

في صدر المكان وضعت خزانة يعتبرونها "الخزانة المقدسة" وقد نقش عليها بخط عبري وبأحرف بارزة "وكانت عيوني وقلبي ترنو إليك في كل يوم" ويقصدون أن أعينهم وقلوبهم منذ غابر السنين كانت تتجه إلى الهيكل، إلاّ أن الملفت للنظر أنه في الطرف الشمالي للموقع قد وضع حاجز زجاجي على طول الواجهة الشمالية يحجب الرؤية إلى الداخل مما قد يشير إلى أعمال أخرى تجري خلف هذا الحاجز الزجاجي ولعلها أعمال متواصلة يبتغون من ورائها ربط هذا "الكنيس" برباط الكرد القريب من المنطقة والذي يطلق عليه اليهود زوراً وبهتاناً "المبكى الصغير"، ليس هذا فحسب وإنما يلفت النظر أن هناك فتحات زجاجية موضوعة على أرضية الموقع والعجب أن هذه الفتحات الزجاجية تطل إلى أسفل حائط البراق يُرى عبرها أعمال حفريات جارية إلى وجهة غير معلومة.

حصيلة الأمر أن المؤسسة اليهودية تستولي على المنطقة بأسرها تدريجياً وتقوم بتغيير المعالم الإسلامية يوماً بعد يوم ولعلها الخطوات الأولى لبناء الهيكل الثالث المزعوم إذ أنه قبل سنتين تم افتتاح موقع صلاة خاص لما يطلقون عليه "المتدينون الجدد" في المنطقة الواقعة أقصى جنوب حائط البراق بالقرب من طريق باب المغاربة، وبعد وقت قليل تم تركيب جسر خشبي جديد، يقتحم عن طريقه اليهود وشرطتهم وعبر باب المغاربة إلى داخل المسجد الأقصى، وأعلن حينها عن مخطط لهدم المعالم الأثرية الإسلامية أسفل باب المغاربة، وعن سيناريوهات بناء الهيكل الثالث المتمثلة في إقامة أربعة أعمدة كبيرة وطويلة في ساحة البراق وبناء الهيكل المزعوم "المؤقت" فوق الأعمدة هذه ليطل من خلالها على المسجد الأقصى، والوجهة اليهودية تتجه الآن نحو مزيد من إيقاع الأذى والسيطرة على المسجد الأقصى وعلى حائط البراق وكل محيط المسجد الأقصى المبارك.

وكان لمؤسسة الأقصى الدور الأول في كشف حقيقة هذا الكنيس وماهية الحفريات الجارية في محيط وتحت المسجد الأقصى الموثقة بالصور الفوتوغرافية والفيديو، والموازي بالضبط لمسجد قبة الصخرة والذي هو على بعد 97متر من مركز قبة الصخرة. واستحداث العديد من الغرف، ومواصلة أعمال الحفر تحت المسجد الأقصى المبارك في كل الاتجاهات والتمهيد الفعلي والحقيقي لهدم الأقصى وبناء الهيكل المزعوم مكانه.

ويستخدم اليهود في عمليات الحفر "حوامض كيماوية" توضع على الصخور لتفتيتها؛ وخطورة هذه الحوامض على أساسات المسجد الأقصى كبيرة جداً لأنها تنتقل إلى هذه الأساسات عبر مياه الأمطار والرطوبة، مما يؤدي لتصدع أعمدة الأقصى، والحفريات القائمة حالياً تحت المسجد الأقصى المبارك في غاية الخطورة، ففي السابق أدت الحفريات إلى انهيار طريق باب المغاربة بسبب الحفريات التي تتم أسفله، وما زالت القيادة اليهودية تدعم بكل جهد المؤسسات العاملة لذلك المشروع، وحفر مبان وكنس يهودية صغيرة أسفل الجدار الغربي للمسجد الأقصى ناحية حائط البراق. خصوصًا أن المتطرفين اليهود يعتبرون "بناء الهيكل قبل عام 2007 حتمية دينية إن لم ينفذوها سينالهم غضب الله". ولعل الصور المرفقة توضح ما يعجز عنه القلم ....