ليس لدي أدنى فكرة عن مبررات الاستخلاص الذي وصلت إليه دراسة دولية أجرتها مؤسسة برتلمان الألمانية الشهيرة ، وتقول أن الولايات المتحدة سوف تفقد مكانتها كقوة عظمى في العالم في غضون الخمسة عشر عاماً المقبلة ، لكن ما هو مؤكد أن هذا الأمر متصل على نحو أو آخر بتلك الدراسة - القنبلة التي تناولها كثير من الكتاب العرب ، والتي أعدها البروفيسوران الأمريكيان جون ميرشيمر وستيفن والت من جامعتي شيكاغو وهافارد تحت عنوان اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأمريكية ، فقد كشفا حقائق في غاية الخطورة عن الأخطبوط اليهودي داخل أمريكا ، وأظهرت أن ما كان يطلق عليه الحليف الاستراتيجي لأمريكا في المنطقة ليس إلا هو الحاكم الفعلي لأمريكا ، الذي لا يراعي المصلحة العليا لأمريكا وأهلها ، بقدر ما يهمه تحقيق مصالحه حتى ولو كانت على حساب مصلحة المواطنين الأمريكيين ، بل ربما نذهب أبعد من ذلك ، حين تكشف الدراسة إن إسرائيل لا تحتل فلسطين فحسب ، بل إنها تحتل الولايات المتحدة الأمريكية والعالم بأسره ، ما يجعلنا نفهم سر دراسة مؤسسة برتلمان الألمانية الشهيرة ،

من أهم ما تكشفه دراسة العالمين الأمريكيين ، إن إسرائيل ومنذ الحرب العالمية الثانية تلقت مائة وأربعين بليون دولار أمريكي ، بمعدل ثلاثة بلايين دولار سنوياً ، وهو ما يعادل خمس موازنة أمريكا للمساعدات الخارجية ، وأن أمريكا هي الدولة الوحيدة في العالم التي تقدم أجندة إسرائيل على أجندتها القومية ، فقد أعلن عضو مجلس الشيوخ الأمريكي المحسوب على المتصهينين المسيحيين ديك أرمي في أيلول 2002: إن الأولوية الأولى في السياسة الخارجية بالنسبة لي هي حماية إسرائيل ، وتنقل الدراسة عن شارون قوله: حين أسأل كيف يمكن دعم إسرائيل أجيبهم ليساعدوا إيباك ، فمرشحو الديمقراطية يعتمدون بنسبة 60% في دعم حملتهم الانتخابية على اللوبي اليهودي ، كما تنقل عن الوفد الفلسطيني المفاوض قوله: إننا نتفاوض مع وفدين إسرائيليين ، أحدهما يرفع العلم الإسرائيلي ، والآخر يرفع العلم الأمريكي ، كما تتحدث الدراسة عن النفوذ اليهودي في صحف عريقة مثل النيويورك تايمز ، والوول ستريت جورنال ،

وتعهد رؤساء التحرير بخدمة إسرائيل ، وتكريس جهدهم لذلك ، ثم تتطرق إلى النفوذ لدى مراكز الدراسات والأبحاث مثل بروكينغر ، وهيريتيج ، وإنتربرايز وغيرهم كثير ، وفيما يتعلق بالحرب على العراق تنقل الدراسة عن المدير التنفيذي للجنة الحادي عشر من سبتمبر فيليب زيليكو الذي يعمل الآن مستشاراً لكونداليزا رايس قوله: إن الحرب على العراق لم تكن من أجل النفط ، وليس لوجود تهديد حقيقي لأمريكا ، وإنما لتشكيله تهديداً على إسرائيل..

إن كل هذا يفضي إلى استخلاص شديد الأهمية: لا أمريكا ولا إسرائيل بالطبع تراعيان مصلحة أي بلد عربي ، ولا تهتمان بسيادة السلم الأهلي لأي بلد عربي ، بل ربما يهمهما أن تسود الحروب الأهلية ، وينقسم الناس إلى فسيفساء متناحرة ، وهما ليستا معنيتان كم ندفع من أرواح تحقيقا لأحلامهما الشريرة ، ولهذا علينا أن نقدم مصالحنا القومية والوطنية على أي اعتبار أو استحقاق ، وثمة خيار وطني لكل بلد وبوصلة تمكنه من الوفاء بالتزاماته الدولية ، مع المحافظة على الوفاء بالتزاماته لأهله وناسه الذين هم عدته وملاذه في الملمات ،