لا ادري إن كانت العملية- سمة الألمان- هي من نال من جانب بيرت روروب النظري، فهل ثمة جديد يمكن الارتكاز عليه في محاضرة رئيس مجلس الخبراء الاقتصاديين في الحكومة الفدرالية الألمانية،

فما سمعناه من تشخيص على منبر الثلاثاء الاقتصادي وغيرها، ربما شخّص ووصف أكثر مما أتت عليه محاضرة السيد روروب أول أمس في دمشق.

ليس في هذا انتقاص من علمية أو تخصص الحكيم الألماني، بل قد تكون غربته عن اقتصادنا وتجربتنا، أو لعل اختلاف التجارب وعدم امكانية سحب الوصفات على كل مكان وزمان، هي الأسباب- أو بعضها- التي حالت دون وصول هذا العنوان الاشكالي الساخن إلى المستوى المتوقع من هذا الخبير الدولي البارز.

إلا أن ثمة نقاطاً مهمة أتى عليها المحاضر، يمكن اعتبارها ثمرة لخبرته في التحول إلى اقتصاد السوق ووصايا للاقتصاد السوري يمكن بأخذها تجنب بعض المنزلقات التي أتت على اقتصادات كنا نحسبها عملاقة.

* التفريق بين الكلام النظري الأكاديمي الذي يقال للطلاب وبين كلام ومقترحات الخبراء والتكنوقراطيين، لأن المستشارين والخبراء يفكرون في كيفية تغيير الواقع وتطبيق الاصلاحات ولا يسعون لرفد الرفوف بكتب جديدة.

* القيام بخطوات صغيرة ومدروسة أفضل من رسم الخطط الكبيرة المتسرعة، لأن التغيرات التي تتم بسرعة لا تخدم الأهداف كما قد تحدث خللاً بنيوياً.

* حاولوا الاجابة عن هذه الأسئلة قبل اتخاذ نهج اقتصادي، السؤال الأول لمن حق ملكية وسائل الإنتاج، الثاني كيف ستتم الرقابة على استخدام هذه الوسائل ضمن الصلاحيات الممنوحة، السؤال الثالث هل المعلومات متوفرة ومبوبة للعاملين في الحقل الاقتصادي كي يتخذوا القرار الموضوعي والصحيح، أما السؤال الأخير فيتعلق بالآليات المستخدمة لمنح الحوافز ليعطي العامل أفضل ما عنده؟؟

* فرّقوا بين النظام الفردي المنتشر في اوروبا والذي يقوم على الحث والسعي لمنح العدالة واتاحة الفرص دون تدخل الحكومة في القرار والاكتفاء بتدوين النتائج والتدخل في السوق عند الضرورة، وبين النظام الجماعي المنتشر في بعض دول شرق آسيا الذي يتبع خطة مركزية تصدر عن الدولة ولها الحق في مراقبة تنفيذها، رغم أن المستشار روروب أكد عدم امكانية الفصل بين النهجين.

*الغاء الاحتكار، سواء من قبل الشركات الحكومية أم من الشركات الخاصة، لأن يقتل المنافسة والنجاح.

* ثمة علاقة تبادلية بين الاصلاح السياسي والاقتصادي ، لأن حرية السوق حزء من الحرية السياسية، إلا أن لكل دولة نهجها الخاص في الاصلاح الذي يأتي بعد تحليل الواقع ودراسة نقاط القوة والضعف في واقعها، ومنه الاقتصادي.

* ليس من وصفات جاهزة يمكن سحبها أو الاقتداء بها، لأن لخصوصية الدولة عاملاً مهماً وللظروف سبباً في عدم نجاعة ما طبق هناك، فليس من صحة لتطبيق رأي خبير في مكان لا يعرف واقعه.

* ابحثوا عن مصادر تنمية وموارد خزينة لأن نفطكم سينضب بعد فترة، وألمح الحكيم روروب إلى الاقتداء بالنهج الاسكندنافي الذي لا يعتمد على النفط بل على الضمان الاجتماعي والضرائب.

* توزيع متكافىء للدخل بعد تحديد نسبة الفقر، مع العلم أن تحديد الأجور ليس واجباً على الدولة كما أنه ليس من مهامها أصلاً ، مع التركيز على ضرورة الغاء الدعم المباشر.

* وآخر وصايا الخبير الألماني هي تطوير النظام المصرفي وايلاء تمويل المشروعات شأناً غير الذي عليه في سورية الآن وضرورة استقرار النظام النقدي.

أما ما يمكن إخراجه من خانة الوصايا، بل اعتباره نصيحة خبير أبدى استعداده للعودة إلى سورية والمشاركة في تحولها، أن تحلَّوا بالصبر ولا تخضعوا للضغوط الخارجية ولا تتخلوا عن أهدافكم.