بإثارة صاخبة, وضجيج اعلامي لا عهد لنا ولا لغيرنا به على الإطلاق, «انخَبَطَت» و«إنْوَرَشَتْ» الصحافة العالمية المكتوبة والمسموعة, والتهَبَت شاشات التلفزة الاميركية والأوروبية, وتداول الناس في البيوت والشوارع والمطاعم والمقاهي وفي كل مكان بخبر القرن المتميز, والذي لم يعادله أي حَدَث في العراق أو فلسطين! ولا أي نبأ عن الجوع والتصحّر في الصومال او الحبشة, أو حتى بعض مآسي «غوانتانامو»! وكاد الاعلان عنه ان يطغى على أخبار ووقائع ومآسي المدّ البحري في اندونيسيا, وذلك حين شدَّ أبصار وانتباه العالم الغربي ومعه العديد من النخب العربية ومثقّفي المجلات الفنيّة المصوّرة, ومتتبعي مسرى حياة النجوم وخفايا اسرارهم! أما الخبر القنبلة أيها القارئ العزيز, فقد كان: توقع ولادة ابن للممثلة المعروفة بأم الغلافات ومحتلّة الصفحات بالريبورتاجات وتفاصيل الحركات ووقائع الحفلات والمهرجانات السيدة ذات الصون والشهامة والعفاف «انجلينا جولي» حفظها الله ورعاها ذخراً لأهلها وشعبها ولكل المحتاجين والمقهورين على هذا الكوكب! وأبقاها حصينة محصَّنة, وخصيبة مُنْجِبَة من زوجها المهيوب, الفارس الهمّام, المميَّز القوام, وبدر التمام, السيد المفضال الممثل «براد بيت»!!!

ولقد قيل بأن الثمن الذي سيدفع للحصول على الصُوَر الأولى للمولود الشهير, ابن النجمين المشهورين, سيصل الى أكثر من خمسة ملايين دولار أميركي عداً ونقداً!!! وأضافت الأخبار السعيدة أنه من المتوقع حين تبدأ الصحف المتخصِّصة بنبش ونكش تفاصيل أمور وقضايا المشاهير بالدخول الى هذا البازار الفوتوغرافي, والانخراط في معمعان مراقبة مراحل الحمل وتطوراته, وصولاً الى اللحظات المرتقبة للولادة, وذلك بهدف قطف الصُوَر الأولى, وتسجيل السَبَق الصحفي الأعجوبة! وربما أيضاً الحصول على كافة الصُوَر «الشعاعية» للجنين!! وهذا­ والله أعلم­ ما رَفَع بشكل جنوني سقف التنافس بين الجميع, ليتضخَّم على اثر ذلك المبلغ المطروح في التداول ويصل الى رقم فاق السبعة ملايين دولار أميركي!!!

فعلاً, انه لأمر عجيب, أن ينشغل العالم المتحضِّر بتلك «الولادة», وما استنفرَته من مبالغ مليونية, وان تتسابق وكالات الأنباء العالمية على رصد «الجنين» لحظة بلحظة, وكأن هذا «الوليد»­ هوَّن الله خروجَه­ سيكون المنقذ من الضلال, والرسول المُرسل للقرن الواحد والعشرين! أو, هو المبشِّر المنتظر بالخلاص.

وهكذا, فقد مَضَتْ الشهور, وهَلَّ هلال المولود العتيد, وكان بنتاً جميلة وبصحة جيدة. وتصدرت صُوَرها الشاشات التلفزيونية, وكان نبأ الولادة على رأس كل النشرات الاخبارية.
وصَادَف­ وما أكثر المصادفات في هذه الأيام­ عند اطلاق الخبر مع «الصورة» المليونية, أن رأينا في آخر النشرة­ ذاتها­ صورة أُرسلت «مجاناً» مع تعليق مرَّ سريعاً على شريط في اسفل الشاشة لعشرين طفلاً عراقياً سقطوا صرعى على اثر غارة جوية اميركية ضد الارهاب!! هذه الدولة الديمقراطية, التي تنتمي اليها المولودة الجديدة ووالداها المبتهجَان!!
فألف مبروك... والبقية بحياتكم!!