د. ثائر دوري

بمزج مقادير محددة من السماد مع السكر مع كمية ضئيلة من الأسيتون ،الذي تستعمله النساء لإزالة طلاء الأظافر ، ووضع المزيج على نار هادئة يمكنك أن تصنع ما يعادل قنبلة نووية .
أنا لا أمزح. و لست من قال بهذه الفكرة . بل هو الجنرال جون أبي زيد قائد القوات الأمريكية في منطقة الخليج و الشرق الأوسط . فوفق ما ذكرته مجلة نيوزويك أنه في ربيع عام 2004 كتب الجنرال جون أبي زيد إلى الوزير رامسفيلد واصفا المتفجرات المصنوعة يدويا بأنها «القاتل رقم واحد للقوات الأمريكية»، في ساحة القتال. وقد طلب توظيف «جهد بحجم مشروع مانهاتن» لتطوير تكنولوجيات جديدة بغية التغلب على ذلك التهديد.
أنفق البنتاجون ما يقرب من 6.1 مليار دولار بين 2004 و2005 على هذا المسعى، وميزانية المؤسسة المشتركة للتغلب على المتفجرات المصنوعة يدويا «جيدو» وهي قوة مهمات تابعة لوزارة الدفاع «البنتاجون» تقدر بمبلغ 3.3 مليار دولار.

و تتمة الخبر أن البنتاغون أنفق ما يقرب من 6.1 مليار دولار بين 2004 و2005 على هذا المسعى، وميزانية المؤسسة المشتركة للتغلب على المتفجرات المصنوعة يدويا «جيدو» وهي قوة مهمات تابعة لوزارة الدفاع «البنتاجون» تقدر بمبلغ 3.3 مليار دولار لهذه السنة 2006.

و لمن لا يعرف ما هو مشروع مانهاتن نقول لهم إن هذا المشروع هو الذي كفل للولايات المتحدة الأمريكية الحصول على القنبلة النووية في مواجهة ألمانيا التي كانت على وشك الحصول على هذه التقنية . بدأ المشروع عام 1942 عندما كانت ألمانيا في قمة انتصاراتها العسكرية و توج بإنتاج القنبلة الذرية و استخدامها بدون مبرر عسكري ، سوى استعرض عضلات الولايات المتحدة ، على اليابان التي كانت على وشك الاستسلام .

ليس عن عبث أن يقارن الجنرال أبي وزيد بين المتفجرات اليدوية و بين مشروع مانهاتن . و هو العسكري الذي تعود ككل العسكر أن يكون دقيقاً واضحاً في إصدار أوامره و في تنفيذ الأوامر التي تصل إليه . فلا بد انه يرى أن هذه المتفجرات اليدوية المصنوعة من السماد و السكر و الأسيتون بحجم يهدد سيطرة الولايات المتحدة على عالم اليوم، كما كانت ألمانيا تهدد تلك السيطرة فيما لو سيطرت على كامل أوربا. و إلا لما طلب، و هو العسكري الخبير، مشروعاً بحجم مشروع مانهاتن لمجابهة هذه القنابل.

لكن إذا كان من المنطقي الدخول في سباق تسلح نووي مع ألمانيا للوصول إلى حيازة القنبلة النووية قبل أن يصل الألمان إلى ذلك لأنهم كانوا يسعون لها بشكل حثيث ، فهم أول من اكتشف طاقة الإنشطار الذري في عام 1934 بواسطة عالم ألماني اكتشف أن انشطار ذرة اليورانيوم يحدث بسرعة ، ويولد كمية هائلة من الطاقة ، ويمكن أن يحدث انفجارا هائلاً . ثم أخذ الألمان بتطوير هذه الفكرة والاستفادة منها في تصنيع القنبلة النووية ،و لم يسترع ذلك اهتمام أحد إلى أن قامت ألمانيا بإيقاف تصدير اليورانيوم من مناجم تشيكوسلوفاكيا المحتلة من قبل الألمان .

يومها أطلق الرئيس الأمريكي ترومان مشروع مانهاتن استجابة للتحدي الألماني لكسب معركة السيطرة على العالم في النصف الثاني من القرن العشرين . إذاً كان مشروع مانهاتن منطقيا تماما في غايته و أهدافه فهذه حرب تقليدية جيش ضد جيش و هناك سباق تقني بين الطرفين . لكن ما يقوله الجنرال أبي زيد غير منطقي أبداً . فماذا سيفعل مشروع مانهاتن لمكافحة المتفجرات اليدوية ؟ هل سيتوصل إلى طريقة جديدة لمزج السكر مع السماد ينتج عنها تفجير بقوة أكبر ؟ أم أنه سيحاول إنتاج نوع جديد من السكر لا يصلح لإنتاج المتفجرات كالنوع الموجود في الأسواق الآن ؟‍ و بالتالي يحرم " الإرهابيين " من الحصول على المادة الأولية ؟ أو ربما سيركز جهده على حظر انتشار السماد فتمنع الإدارة الأمريكية منعاً باتاً أي تصنيع أو نقل أو تخزين للسماد الآزوتي ؟!!!

كلام غير منطقي أبداً و لا يمكن تناوله إلا من باب السخرية. لكنه مفهوم لمن يعرف كيف يفكر الأمريكان. الذين يعتبرون أي مشكلة تجابههم هي مشكلة تقنية مادية و يهملون العامل البشري الذي لا يجوز إهماله أبداً. يهملونه لسبب بسيط هو أنه لا يمكن حسابه. و بالنسبة للعقلية الأمريكية كل ما لا يمكن قياسه أو حسابه بالأرقام بالنسبة هو عامل مهمل ، لا أهمية له . لكن من منكم يستطيع أن يقيس بشكل كمي المشاعر الدينية أو القومية أو الوطنية . من منكم يستطيع أن يقيس مشاعر مثل الإحساس بالكرامة الشخصية أو الإحساس بالذات إلى آخر ما هنالك من أشياء مرتبطة بالذات الإنسانية .هي أشياء لا تقاس و مع ذلك هي حاسمة في أمور كثيرة .

المشكلة التي تجابه الأمريكان في العراق ليست مشكلة المتفجرات اليدوية ( جيدو ) بل هي مشكلة العراقي الذي يرفضهم و يرفض وجودهم . و هذه المشكلة لا تحل لا بالمختبرات و لا بمشاريع ضخمة و لو كانت بحجم مانهاتن . هل تستطيع آلاف المشاريع أمثال مشروع مانهاتن جعل العراقي يحب دبابة المحتل ؟

هذه المشكلة تحل بحل مشكلة الاحتلال، و هي انسحاب القوات الأمريكية و التعويض للشعب العراقي عن كل الجرائم التي ارتكبت بحقه.
تتابع النيورك تايمز خبرها بالقول :
(( وبالرغم من أن استثمارا من هذا النوع قد أدى إلى تطوير بعض من التكنولوجيات الباهرة في مجال مكافحة المتفجرات اليدوية، إلا أن ذلك لم يترجم إلى نجاح في تقليل عدد الإصابات بتلك المتفجرات))
و يقول الكاتب الأمريكي مايكل غولد فارب :
((إن المتفجرات المصنوعة يدوياً ما هي إلا سلاح تكتيكي لكنها أيضا السلاح الوحيد الذي يؤدى إلى إصابات كبيرة بين صفوف الأمريكيين.
إن المتفجرات اليدوية قادرة على هزيمة الأمريكيين في العراق إذا لم يتم مواجهتها ..))

يمكن أن يكون كلام هذا الكاتب الأمريكي صحيحاً مائة بالمائة لو وضعتم كلمتي " الإنسان العراقي " بدل "المتفجرات اليدوية" . لأن الإنسان العراقي الرافض للاحتلال هو جوهر مشكلة الاحتلال الأمريكي في العراق. و ما لم يتم كسر إرادة هذا الإنسان لن تستطيع أمريكا الانتصار في العرق و قد جربت خلال السنين الماضية كل الوسائل لتكسر إرادة التحدي و المقاومة عند هذا الإنسان و فشلت، و أما المتفجرات المصنوعة يدوياً فما هي إلا فصل صغير من قصة إرادة و صمود هذا الشعب العظيم المنتمي إلى امة عربية – إسلامية عظيمة. و هو بعمقه الحضاري الهائل قادر دوماً على اجتراح المعجزات.