ما تخوضه مجتمعات الشرق الوسط بعد طرح "مشروع الشرق الأوسط الكبير" هو نوع من الخيارات المستحيلة .. وربما صراع بين الرغبات والشكل المسبق للجغرافية – السياسية الذي يرضي استراتيجية الإدارة الأمريكية.

لا شك أن اللعب على حدود الديمقراطية شكل المفتاح الأساسي لطرح مسائل الأنظمة العربية، لكن التوقف عن الحدود يشكل بحد ذاته نسفا للذاكرة الاجتماعية، وقفزا فوق الاعتبار الثقافي الذي أوجد هذه الأنظمة. ولأن الولايات المتحدة ليست مضطر لتحمل مغامرة الدخول إلى عمق الشأن الديمقراطي، فإنها ترسم تقيمها بناء على صورة الإجراء السياسي.

في الشرق الأوسط اليوم نماذج تتداخل، لكن الانتخابات اللبنانية شكلت هذه الصورة للديمقراطية التي تقف خارج "العلمانية" وضمن صورة "الطوائف" .. ولم يكن الإصرار الأمريكي على ضرورة قيام انتخابات وفق قانون عصري، بقدر إصرارها على "إجراء" الانتخابات، لأن الإجراء بذاته يعفيها من المشاكل اللاحقة، وهي التي أدارت بشكل أو بآخر عمليات التحويل التي حدثت، حتى ولو لم تتدخل بشكل عسكري مباشر، فتهيئة الظرف السياسي كان حاسما فيما حدث في لبنان.

ربما ليس من شأننا تقييم الانتخابات اللبنانية، وخيار المجتمع اللبناني، لكننا هنا نقف أمام نموذج واضح المعالم، وهو بوابة لا يمكن إغفالها ضمن الشان السياسي العام للشرق الأوسط. والعملية برمتها توحي بأن استبدال الأنظمة العربية يشكل نوعا من خلق "ديكتاتوريات" ظل قادرة على التحكم في مسار العملية "الديمقراطية" بحيث تبقى على الحدود.

المسألة الديمقراطية اليوم ربما تتعدى الشكل الاصطلاحي، وهي مع ضرورتها تملك من الحساسية ما يجعل أكبر المعارضين للأنظمة العربية يرى أن المستقبل مازال غير مضمون، على الأخص أن بعض المشاهد توحي بأن صراعات "ما بعد الديمقراطية" قد تكون اخطر من أي وقت مضى.