لم أكن قريباً او مقرباً من الرئيس الراحل الياس سركيس. وكانت معرفتي به متواضعة ولقاءاتي به قليلة. لكنني عندما أفكر في تاريخ لبنان الاستقلالي، وأتذكر رجال فكر وعلم مثل بشارة الخوري وشارل حلو، أو رجل دولة مثل فؤاد شهاب، يظل الياس سركيس بالنسبة إلي كمواطن، أحب الرؤساء في صورة عامة، أو، بمعنى آخر، أكثرهم نبلا. وأرجو أن تتقبلوا معي بعض التفاصيل.

تعرفت إلى الياس سركيس عندما كان حاكماً للبنك المركزي أوائل السبعينات. وكان لنا صديق مشترك هو السفير الشيخ منير تقي الدين. وكان من عادة الشيخ منير أن يزور أصدقاءه في أنحاء العالم. وان يعرّفهم جميعاً إلى بعضهم البعض. ويخيّل إلي انه هو الذي ألح على صديقه الياس سركيس بضرورة التقاء صحافي شاب في «النهار». وكان مبنى «النهار» يبعد مائة متر عن مبنى المصرف المركزي. وذات يوم رن الهاتف وقال الرجل: «أنا فلان. أتساءل إن كان لديك الوقت لفنجان قهوة». في العاشرة من صباح اليوم التالي كنت في مكتبه في الطابق العاشر. قال لي ببساطة غير معقولة: «ألاحظ أنك تكتب في الشؤون الدولية. وللأسف ليس لدي الوقت الكافي لمتابعة كل القضايا وأريد منك أن تشرح لي بعض القضايا». ثم أمسك الرجل الذي سيصبح رئيس لبنان ورقة وقلماً وراح يدون بعض الأجوبة. وقلت له إن من عادة السياسي في لبنان أن يدعي معرفة موعد نهاية الحرب الفيتنامية والوصول إلى المريخ، وأنت أول سياسي أراه يطرح سؤالاً ويقول انه لا يعرف جوابه.

استمرت اللقاءات متقطعة مع الرجل. واستمر الشيخ منير في مسعاه للتقريب بين الأصدقاء. وكان يقول لي «هيدا الرئيس المقبل ولن يجد مستشاراً سياسياً مثلك، فلماذا لا تظهر أي اهتمام». وكنت أقول للشيخ منير «أنا في مهنتي فوق الكرسي. وإذا غيرتها سوف أصبح تحتها». فيرد «صحيح انك مجنون».

وإذ بدأت أبواق الحرب تدق في بيروت دعانا الشيخ منير إلى منزله: عدد من الزملاء، والياس سركيس وأنا. وظل يتصل كل نصف ساعة ليؤكد أنني سأحضر. وبقيت اعتذر. وبعد اشهر كنت في الأمم المتحدة وجاء الياس سركيس لحضور مؤتمر حكام البنوك المركزية في واشنطن. واتصلت به من نيويورك ولبنان خراب. واعتقدت انه لن يرد. وفي المساء، وأنا في غرفة جرداء شبه عارية، رن الهاتف. وقال بصوته المبحوح دائماً: «أنا غداً في نيويورك. هل أنت مرتبط على الغداء».

إلى اللقاء