تركي علي الربيعو .....الخليج

تعيش المعارضة السورية، بكافة صورها وأطيافها، حالة من الارتباك ورد الفعل إزاء المتغيرات والضغوط التي تتعرض لها سوريا، تستوي في ذلك معارضة الداخل التي نأت بنفسها عن مد يدها إلى الخارج، مع أن خطابها لم يخل من بحث عن صيغ توفيقية وبحث عن معادلات مستحيلة الحل في علاقة الداخل والخارج، فالرهان على الخارج وهو حصراً هنا الإدارة الأمريكية في ضغوطها المتزايدة على النظام السوري، وفي دعواها المؤدلجة لنشر الديمقراطية من خلال فوهات البنادق كما يعلق بنجامين باربر، مع أن الناس لا تريد أن تدخل جنة الديمقراطية الأمريكية من خلال فوهات البنادق، خصوصا بعدما أثبت النموذج العراقي أن الإمبراطور الأمريكي عار حتى من ورقة التوت. أقول بات هذا الرهان في خبر كان بعد الفشل الكبير للإدارة الأمريكية في العراق، وحيث يسكت خطاب المعارضة السورية عن هذا الفشل ولا يأتي على ذكره.

كذلك لم تنجح الميول الاستعراضية للثعلب الألماني ديتلف ميليس إلا في إثارة الزوابع، ومع أن الرهان كان كبيراً عليه في خطاب المعارضة السورية من أجل استثمار الضغوط الأمريكية لفرض تنازلات على النظام ودفعه إلى الاصلاح، أو دفعه إلى الهاوية حيث راح بعض رموز المعارضة وفي لحظة نشوة يعد الشهور القليلة المتبقية للنظام في الحكم، ولكن الرياح لم تجر كما تشتهي سفن المعارضة السورية، فقد استقال ميليس ليخلفه سيرج براميرتس بمهنية عالية في التحقيق ونفس طويل قد يستغرق سنوات ليصل إلى نتيجة، وجاء طلبه بتمديد مهمته سنة إضافية أخرى، ليعري خطاب المعارضة التي ظنت أن أزمة النظام مع المجتمع الدولي على الأبواب.

من وجهة نظر البعض، أن حالة الارتباك التي تعيشها المعارضة السورية وانقسامها إلى أشطار غير متآلفة هي نتيجة، فجبهة الخلاص الوطني التي يقودها عبد الحليم خدام وصدر الدين البيانوني المرشد العام للإخوان المسلمين في سوريا وبحضور أطياف من المعارضة الكردية الراديكالية التي رفضت التحدث بالعربية في مؤتمر لندن الأخير، وذلك في محاولة منها للتأكيد على أن قضيتها هي قومية أولاً قبل أن تكون وطنية، لم تفلح في كسب ود المعارضة في الداخل التي ظلت تنظر بارتياب كبير إلى خدام والبيانوني، خاصة وأن أغلب رموز هذه المعارضة اليسراوية يعيش حالة من الارتياب والخوف من الإخوان المسلمين. وهناك جماعة إعلان دمشق التي رفضت وترفض أن تمد يدها للخارج لكنها وبضغوط كردية من الداخل، حيث يشكل الأكراد حليفاً استراتيجياً لا يمكن الاستهانة به، رفضت أن تأتي على ذكر الامبريالية الأمريكية و”إسرائيل” ولا حتى عن الاحتلال الأمريكي للعراق، أضف إلى ذلك المعارضة الكردية التي تؤكد دائما على أنها جزء من المعارضة السورية بوجه عام مع الحفاظ على استقلاليتها، وهذا ما يفسر خطبها لود الولايات المتحدة في مؤتمرها الذي عقدته في أمريكا بتاريخ 13/4/2006 تحت قبة الكونجرس الأمريكي والذي دعت فيه أمريكا إلى الإطاحة بالنظام.

من وجهة نظر البعض أن الانقسام هو ديدن المعارضة، وأن الضعف كما يرى برهان غليون هو بمثابة نتيجة لمعارضة يسراوية صغيرة عجزت حتى الآن عن كسب ود الشارع، وعن الانسجام الذاتي في خطاب سياسي إصلاحي لم يزل نخبويا. وهذا ما يفسر انقلاب النظام السوري عليها بعد اعلان بيروت/ دمشق وسجن بعض رموزها.

إنها حالة من اليأس تضرب أطنابها داخل خطاب المعارضة التي وجدت نفسها أخيرا محكومة بفعل الترجي، ترجي الداخل والخارج لتغيير النظام، حالة تشهد لا لمصلحة المعارضة ولا لمصلحة النظام الذي يبدي ممانعة لكل إصلاح من شأنه أن يحد من سطوته في الداخل.