يُفترض في من يملك الحقّ ألاّ يخاف الحقيقة. والمفارقة (؟) التي لا تكفّ عن التكرار في أنظمة «الحقّ»، الدينيّ منه أو القوميّ أو الاجتماعيّ، انها الأشرس في مكافحة الحقيقة.

وإيران مثل ساطع على مفارقة كتلك. فهي، في أزمة التخصيب الراهنة، تقول إنها تخوض معركة الحقّ والعدل والكرامة. وللغرض هذا تستشهد، ويستشهد مؤيّدوها، سجلّ الظلامة التاريخيّة التي تعرّضت لها على أيدي الغربيّين. بيد أنها تحوّلت، وتتحوّل، «أكبر سجن للصحافيين في الشرق الأوسط» كما أسماها واحد من مثقّفيها. وهذا علماً بأن الصحافيين والمثقفين والجامعيين في إيران لم يُبدوا أيّ تعاون مع «أعداء» إيران الخارجيين، بل كانوا في مقدم من استنكر التأييد اللفظي الذي تبرّع به جورج بوش لحركتهم الإصلاحية، قبل أن يدفعوا ثمن التأييد هذا.

وقصارى القول إن الحقّ حين يخاف الحقيقة الى الحدّ هذا يصير قابلاً للطعن فيه، وتصير القوّة التي يسعى أصحاب الحقّ الى امتلاكها مثيرة للمخاوف الفعليّة لأنها، والحال على ما هي عليه، قوّة للقمع والجهل والظلاميّة.

ومن هذا القبيل ترافق الاحتفال بالذكرى السنوية الأولى لوصول محمود أحمدي نجاد الى الرئاسة مع تعيين سعيد مرتزفي عضواً في «مجلس حقوق الانسان» الجديد التابع للأمم المتحدة. والمذكور هو القاضي المسمّى «جزّار الصحافة» لأنه مصدر الأحكام الجائرة التي أُنزلت بالصحافيين والصحف. فقد أغلق أكثر من مئة مطبوعة وقضى، في السنوات القليلة المنصرمة، بسجن أعداد من الكتّاب والناشطين والمحامين ومدوّني المدوّنات، فيما اتّهمته شيرين عبادي، الحائزة على جائزة نوبل، بأنه حضر شخصيّاً، قبل ثلاثة أعوام، «حفلة» تعذيب زهرة كاظمي، المصوّرة الصحافيّة الإيرانيّة - الكنديّة، ثم قتلها.

وهو جزء لا يتجزّأ من النجاديّة التي يتصدّر العداء للثقافة والمثقّفين سماتِها، والتي حلّت بعد الخاتميّة التي كان صاحبها مهجوساً بمدّ جسر مع المثقفين. وكان من انجازات الرئيس الجديد الغاء الانتخاب من قبل أساتذة الجامعات لاختيار رؤسائها وإيكال الأمر الى وزير التعليم العالي الذي بات يعيّنهم، وتشديد القيود على سفر الجامعيين الى البلدان الغربيّة، واعتقال رامين جاهانباغلو، مدير الدراسات المعاصرة في معهد البحث الثقافيّ الإيرانيّ، وتعاظُم الرقابة على الكتب وعلى ما تبقّى من صحف ومجلاّت.

فهل يؤتمَن على القوّة تودَع في عهدة نظام كهذا، نظامٍ يشتقّ سلطته من الجهل والتجهيل، لا من المعرفة التي توصف بأنها سلطة؟ لقد سبق لأنظمة كثيرة، فاشيّة وشيوعيّة، أن قدّمت إجاباتها عن السؤال هذا، وهي إجابات لا تسرّ القادة الإيرانيين... لو أنهم يعرفون.

وبدورهم، فإن العرب المتحمّسين لاكتساب إيران القوّةَ، تعويضاً عن افتقارهم هم إليها، يُعدّون أنفسهم لصدمتين في وقت واحد: أن تلك القوّة ليست، في آخر المطاف، قوّة، وأنها، كائناً ما كان تعريفها، مُلك النظام الإيرانيّ لا مُلكهم هم الذين سترتدّ عليهم، مثلهم مثل شعب إيران، آثارها الكارثيّة.