ربما لأننا لا ندرك أن المصطلح يفقد حيويته فإننا نغرق في التفاصيل التقنية .. أو نتمسك بقدرتنا على التعامل مع التكنولوجية بشكل يتجاوز المعقول. هذا ما أثبتناه على الأقل في التعامل مع "المنتج" الصناعي، فكنا قادرين خلال أقل من نصف قرن في إنهاء التنوع البيئي داخل دمشق على أقل تقدير، واستنفاذ ثروتها المائية وقدرتها على البقاء. وهذا ما نقوم به حاليا في التعامل مع مسألة الاتصال في عصر حرية المعلومات.

"حق الاتصال" الذي انتعش بشكل واضح داخل المفاهيم الليبرالية، يمكن قراءته في أدبياتنا على انه "حق التعرض". فمع انتشار الإنترنيت أصبح الاتصال بالخارج والداخل ظاهرة تداهمنا في كل لحظة، وبدأت البيانات والمقالات التي تشتم "بغض النظر عن الطرف المشتوم" تقتحم سكونية الصورة المسبقة للمعلومة أو لتقاليد الاتصال .. والسؤال الذي ينسحب اليوم امامنا هل الاتصال يقتصر على طاقة النشر الهائلة التي يوفرها الإنترنيت أو حتى الفضائيات!!!

ربما تكون هذه الظاهرة عادية .. لكنها بالطبع ستصبح حالة سكونية جديدة مادام الاتصال يعبر عن "السطوة" أو قدرتنا على فرض ما نقوله متجاهلين حيوية هذه العملية بين المرسل والمتلقي وطبيعة الرسالة .. وإذا بقينا متجاهلين أن التفاعل المقطوع هو الذي يخلق السكونية، فإننا سنجد أنفسنا أمام فراغ جديد يحيل العملية الاتصالية لنوع القهر الدائم عبر عمليات التهجم أو التلطيف أو المدح أو الرثاء.

أزمة الاتصال التي نلمسها ربما تعبر بجوهرها عن مدى معرفتنا بـ"حق الاتصال" .. فهو مسألة يترتب عليها أيضا احترام حق الآخر في هذا الاتصال .. وليس الاستمتاع في "الإغراق" في المعلومة والرأي.

"حق الاتصال" بذاته يملك شكلا ابداعيا في قدرتنا على فهم الاخر برغباته واحتياجاته، وفهم انفسنا أيضا حتى نستطيع إنشاء قناة التواصل. والمسألة ليست تنظيرا بل هي محاولة لفهم المطالب المستقبلية المطروحة اليوم مثل حرية الإعلام وغيرها .. فإذا بقي "حق الاتصال" ضمن وضعية معرفية تعود إلى التراث ومسألة امتلاك المعرفة، فإننا سنخلق منابر إضافية تمارس اضطهادا فعليا ضد عملية الاتصال ذاتها .. عندها نكون أنهينا هذا المصطلح وقتلناه كما فعلنا بغيره من مصطلحات ومفاهيم الحداثة.