الغد

ثمن ديمقراطي باهظ نشاهده اليوم داخل الحياة اليومية لمدينة غزة، وهو الثمن الذي يدفعه المجتمع تعويضا عن خياراته بعد أن اعتقدنا لزمن أن حق الاختيار هو الأزمة أو الاتهام الذي يصفعنا يوميا... لكن المشكلة الديمقراطية كما تبدو تتعدى واقعا خاصا يفترضه البعض داخل أي كيان جغرافي، بينما تبدو الديمقراطية أن التفكير الذي يحتاج إلى لون من الحياة قادر على الدفاع عن نفسه حتى يصبح الخيار الديمقراطي حقيقيا.

ما يحدث في غزة ليس محاربة دولية لنتائج الديمقراطية، بل صورة واضحة للقفز على كافة الاعتبارات والتمسك بالأشكال التقليدية لما تعنيه السياسة في القرن الجديد، فعندما نجد أنفسنا في مأزق العنف الذي تمارسه إسرائيل لا بد لنا من ان نواجهها بالديمقراطية، لكنها ديمقراطية تبدأ بالتفكير قبل أن تسارع إلى الاقتتال على الإجراء السياسي. وديمقراطية تعرف أن الحياة السياسية اليوم يجب أن تبنى على المعرفة قبل أن ندخل مواجهة صناديق الاقتراع، والأهم أنها ديمقراطية تستند لواقع جغرافي واضح وليس لاجتزاء الأرض وافتراض سلطة أظهر الزمن أن مجموعة أجهزة غير قادرة على رسم مؤسسة مستقبلية للدولة.

ومع ما يحدث في غزة والعراق لم يعد مطلوبا اليوم التأكيد على المطلب الديمقراطي .. سواء جاءت التأكيدات عبر المشاريع السياسية الأمريكية للمنطقة، أو من خلال التشكيلات الإقليمية المدنية او الرسمية .. فالسؤال حول الديمقراطية خرج عن نطاقه الأكاديمي الأساسي، وحتى عن السوية المعرفية بعد أن أصبح الخيار ضمن فئتين: الأول اللبرالية وفق المنطق الأمريكي، والثاني الجهاد وفق أسلوب السيارات المفخخة.

إن السؤال الأساسي هل بالفعل لا نملك أي خيار ديمقراطي؟ وأننا نقف ضمن التوجه الذي يحدد حتى طبيعة التنوع الذي يجب أن نملكه، وأشكال الخوف التي علينا أن نحاربها، وأن ننسف كل الذاكرة التي تشكلت خلال نصف قرن من الزمن.

التجربة الديمقراطية تبدو اليوم أنها أكثر من مجرد ممارسة سياسية ... فهي تعبير عن جملة الأزمات المتراكمة داخل الثقافة والمجتمع ... وتحتاج اليوم لنوع من الإبداع حتى نخرجها من مأزق الخيارات .. وترتبط بتفكير حداثي حتى لا يصبح ثمنها أغلى من الأرواح والدم الذي يهدره أنصار الجهاد أو "طلائع الديمقراطية الأمريكية".