صالح النعيمي

من المفارقة المفجعة أن الأدبيات العربية والفلسطينية، وأعمال المؤرخين العرب والفلسطينيين تكاد تخلو من الإشارة الى واحدة من أبشع جرائم الحرب، وأكثرها قذارة التي اقترفتها العصابات الصهيونية في سعيها لطرد شعب فلسطين عن أرضه، ألا وهي اغتصاب النساء الفلسطينيات كجزء من استراتيجية شاملة اتبعتها الحركة الصهيونية لاقتلاع الفلسطينيين عن أرضهم حتى الاعلان عن الدولة العبرية في العام 1948. والذي يثير المرارة حقاً أن الذين تطوعوا للإشارة الى بعض هذه الممارسات، كان تحديداً بعض الصحافيين والمؤرخين الإسرائيليين الجدد. ويشير المؤرخ الإسرائيلي بن فيرد في مقال نشرته صحيفة هارتس الإسرائيلية بتاريخ 7/4/1989 أن عناصر المنظمتين الارهابيتين، منظمة " أرجون " بقيادة المجرم مناحيم بيغن، و" ليحي "، بقيادي المجرم ابراهام شطيرن عمدوا أثناء تنفيذهم لمجزرة " دير ياسين " في 9/4/1948 التي قتل فيها المئات من النساء والأطفال من اهالي القرية، الى اغتصاب النساء بشكل منهجي وبعد ذلك قاموا بقتلهن.

وحسب فيرد الذي ينقل على لسان بعض الارهابيين الذين شاركوا في هذه المجزرة البشعة، أن عناصر المنظمتين عندما اقتحموا القرية وجدوا خمس وعشرين فتاة من فتيات القرية في طريقهن الى المدرسة الاعدادية، فما كان منهم إلا أن قاموا باغتصابهن مراراً وبعد ذلك قاموا بذبحهن. ويستند فيرد أيضاً الى تقرير لجنة تحقيق بريطانية حققت في المجزرة يؤكد أن " ممارسات جنسية مشينة " قد ارتكتب بحق الفتيات الفلسطينيات الصغيرات قبل أن يذبحهن وحوش الصهيونية، ويزجوا بجثثهن في إحدى الوديان. وفي نفس الوقت قام عناصر التنظيمات الارهابية بعد توغلهم في القرية باغتصاب عدد من النساء قبل أن يقوموا بإطلاق النار عليهن. اللافت للنظر أن تنفيذ عمليات الإغتصاب الجماعي بحق فتيات القرية القاصرات ونسائها كان جزءاً من التعليمات التي أصدرها بيغن لوحوشه السائبة. والذي يعكس تهاوي المنظومة القيمية لقادة الحركة الصهيونية، هو أن بيغن الذي اصبح فيما بعد رئيساً لوزراء دولة الاحتلال، قد بعث برسالة تهنئة داخلية لجنوده مشيداً بما اقدموا عليه، ولا يتورع بيغن عن وصف هذه المجزرة في كتابه " التمرد "، ب " الانتصار العظيم ".

والذي يدلل على أن عمليات الإغتصاب كانت عملاً ممنهجاً اتبعته كل التشكيلات الصهيونية العسكرية، وحتى الجيش الاسرائيلي نفسه، هو ما يورده المؤرخ الإسرائيلي بني موريس. ويروي موريس في كتابه " نشوء مشكلة اللاجئين الفلسطينيين "، أن جنود الكتيبة 89 في الجيش الاسرائيلي التي كان يقودها موشيه ديان، الذي أصبح فيما بعد رئيساً لهيئة الأركان ووزيرا للدفاع والخارجية اقتحموا بتاريخ 29/10/1948 قرية " الدوايمة " التي تقع جنوب مدينة الخليل، ومن ضمن جرائم الحرب الكثيرة والشنيعة التي اقترفوها في هذه القرية التي تم تدميرها فيما بعد، أنهم قاموا باجبار بعض نساء القرية على العمل على خدمتهم، وبعد ذلك اغتصبوهن وقتلوهن. وتشير تقارير اللجان البريطانية التي حققت في ممارسات التشكيلات الصهيونية العسكرية إلى أن اغتصاب النساء كان جزءاً أساسياً من الوسائل التي اتبعها الصهاينة لتشريد الفلسطينيين. وكان " المنطق " الذي يحرك هؤلاء المجرمين هو أن المجتمع الفلسطيني المسلم المحافظ يبدي اقصى درجات الحساسية ازاء هذه الممارسات، فيفر الفلسطينيون مخافة أن يصيب نساؤهم ما اصاب النساء في " دير ياسين " و" الدوايمة "، وغيرها من القرى والبلدات. ويشير المؤرخ الفلسطيني نور الدين مصالحة في كتابه " طرد الفلسطينيين "، الى أن عناصر "الهاجناة "، الذراع العسكري الرسمي للحركة الصهيونية كانوا يقومون باغتصاب الرجال الفلسطينيين قبل قتلهم في بعض الأحيان.

هذه هي الطريقة التي أقيمت بها " إسرائيل المتحضرة "، تحت سمع ونظر العالم…..فهل يعقل أن يتوقع أحد ما أن يسلم الشعب الفلسطيني ب " الواقع " الذي يرسى بمثل هذه الطرق؟؟؟؟؟؟