حديث الرئيس السوري بشار الاسد الى الزميلة «الحياة» يترك الانطباع بأن لبنان صار بالفعل من الماضي بالنسبة الى سوريا التي باتت تتطلع الى الشرق حيث المخاطر والتحديات الفعلية وتنظر باستخفاف واضح الى جارها الغربي ومشكلاته المزمنة التي لم تفلح في حلها طوال ثلاثة عقود من التدخل العسكري والسياسي الذي انتهى الى غير رجعة.يطوي الرئيس الاسد في حديثه صفحة من التاريخ الصعب بين لبنان وسوريا لكنه لا يفتح صفحة جديدة ولا يساهم في فتح مثل هذه الصفحة التي يبدو أنها ليست مطروحة بشكل جدي على جدول الاعمال السوري مثلما هي ليست مطروحة بشكل عملي على جدول الاعمال اللبناني لاسباب تكاد تكون واحدة.

يوحي الرئيس الاسد بأنه مثل اي مواطن سوري آخر يريد أن ينسى لبنان تماما ويسقطه من حساباته ومثلما اسقطه من محادثاته العربية الاخيرة التي ركزت على الشأنين العراقي والفلسطيني الاكثر أهمية بما لا يقاس لكنه يتابع الوضع اللبناني بدقة متناهية وبالتفصيل الذي لا يوحي بأنه بات من عناوين السياسة الخارجية السورية فالاتصال الاسبوعي مع الرئيس اميل لحود مثلا لا يمكن أن يوضع في سياق التشاور والتنسيق حول القضايا الاقليمية الكبرى.

يعترف الاسد بأن التجربة السورية في لبنان قد انتهت لكن مراجعتها لا تشير الى أن سوريا تستعد للمساومة حول فكرة التضحية الكبرى التي قدمتها الى اللبنانيين أو فكرة الطعنة الكبرى التي تلقتها ولا تزال تتلقاها من بعضهم. معدل التوتر ما زال مرتفعا وكذلك مستوى الاتهام الذي يلامس حدود الخيانة الكبرى .

لا تريد سوريا شيئا من لبنان هي تنتظر فقط أن يتوصل اللبنانيون الى حل فيما بينهم لكنها تشك ضمنا في إمكان التوصل اليه وتتوقع أن يطول الانتظار قبل أن يصل الموفد الرسمي اللبناني الاول الى دمشق سلفا عن كل الاساءات والطعنات حاملا قرارات مختلفة تماما عن كل ما توصل اليه مؤتمر الحوار الوطني اللبناني نظريا على الاقل حول ترسيم الحدود وتبادل السفارات.من الآن فصاعدا صارت العلاقات اللبنانية - السورية تشبه بالفعل العلاقات بين اي بلدين عربيين متجاورين يرتبطان بتاريخ طويل من الشكوك المتبادلة والخلافات المستحكمة .. وينتظران معجرة لن تتحقق ابدا .