خروج من تقليدية التعريف، أو حتى من التعليمات المرتبطة بالعناوين ومقدار وضوحها نريد الاستمتاع بقدر من الغموض، لأن هذا الغامض بقي ثابتا في التفكير الذي يغلف لوننا الثقافي، فلا نستطيع اختراق حواجز المقدس أو وضعه في دائرة الحوار. وعندما يحل السكون الفكري تنطلق التحذيرات، لأن العجز الذي يدفعنا خارج دائرة العمل يشجع في داخلنا العنتريات، فتصبح التصريحات أقوى من أي مبادرة لإعادة النظر في واقع يغرقنا.

لكن التحذيرات كما نفهمها اليوم ليست إطارا سياسيا بل استراتيجية ثقافية، تبدأ بجمل حائرة داخل المؤتمرات الصحفية، وربما تنتهي ببيانات "الخلاص" التي تعتبر نفسها "التحذير" الأخير الذي سيجعل من المجتمع خارج إطار التاريخ أو "الغفوة"... فالتحذير الذي يٌرسم اليوم على شاكلة "المفرقعات" الإعلامية لم يظهر منها سوى الأمنيات الغريبة، واعتبار أن من يستطيع "الخلاص" من الوطن قادر على كتبة "خلاص" جديد!!

ربما يغيب عن الصورة الكلية للبيانات "التحذيرية" أن المسألة هي مواطن ضاعت منه ردود الفعل أمام كم "السياسة" الهابطة عليه ... أو حتى في وجه المسائل المتجددة كل لحظة أمامه بينما انتهى العصر الجليدي الأول وبقيت أعصابه عالقة فيه كي ينجو أو ينفذ "البقاء". فعندما ينتهي "الجديد" ويصبح الجميع محشورا في زاوية التفكير بطاقة الماضي على استعادة نفسه، فإن صيغ "الخلاص" الخطابية تغرق في عتمة العقل، وتنتهي الصحوة التي حلم بها الكثيرون لنعود إلى الغفوة أو "القيلولة" المتحررة من أسر الزمن.

عندما نحلم بكل المطالب الهابطة علينا من الإنترنيت أو البيانات المعارضة أو الوعود الرسمية، فإننا نتخيلها على شاكلة جديدة قادرة على النفاذ إلى المجتمع... أشكال تعرف أن الأزمات عندما تطفو على السطح فإنها تبدو في "القلق" الفكري وليس في الصيغ الخطابية، وأن المسألة الاجتماعية هي صراع فكري وليس سياسي ... وحيوية اجتماعية في إبداع المصالح وسط عالم يتبدل.

عندما نحلم بالمعارضة نتمنى رؤية صورة غير التوازن السياسي بين طرفين يحشر المجتمع، وعندما نحلم بالديمقراطية فإننا نحاول رؤيتها بأشكال الغد أفق حياة كاملة وليس شعارات مملؤة بالتحفظات من الطرفين، ونراها دون التحذيرات التي تهطل من الاتجاهات الأربعة .. فعندما نستطيع إيجاد واحة بين عالمين متناقضين ربما نستطيع استيعاب أن الهدوء ربما يحل علينا يوما ما، وإذا استطعنا ابتداع مظلة للتفكير فربما نكون قادرين على خلق رابط أكثر قوة ما بين رغبتنا بالحداثة، وانفصالنا عن عالم "ديمقراطي" لا يحتمل التعدد.