لا أعرف فيما إذا كانت الصدفة وحدها أم الوقاحة الإسرائيلية المعهودة هي التي جعلت الطائرات الحربية الإسرائيلية ترتكب جريمة اختراق الأجواء العربية السورية والتحليق فوق قصر الرئيس بشار الأسد في نفس الوقت الذي كان فيه رئيس الوزراء الأردني على رأس وفد رسمي في زيارة للعاصمة السورية والتباحث في القضايا الاقتصادية المشتركة من خلال اللجنة العليا الأردنية السورية.

هذا الاختراق الإسرائيلي أوضح للجانبين الأردني والسوري من جديد أنهما سيكونان معا في مواجهة العدوان الإسرائيلي وأن الدولة العبرية تشكل خطرا على الدولتين معا وعلى مجمل الطموحات العربية ، وبالرغم من الاختلاف الكبير في المواقف السياسية والتوجهات نحو عملية السلام بين عمان ودمشق فإن الطرفين كانا معا يستمعان إلى هدير الطائرات الحربية الإسرائيلية في السماء السورية.

لا قواعد دولية ولا قوانين ولا مبادئ تحكم وتضبط السلوك العدواني الإسرائيلي ولا قيمة لمعاهدة سلام أو حالة حرب إعلامية مع اية دولة لتمارس إسرائيل سلوكا مختلفا عن ما عهدته من عدوان وتدمير ووقاحة ضد العالم العربي ، وهذا ما يجب أن يشكل رسالة واضحة للأردن وسوريا أنهما معا في نفس الخندق.

لا بد من احترام الأردن وسوريا للخيارات السياسية الخاصة بكل بلد ، ولا بد لسوريا من احترام خصوصية الأردن واستقلالية قراره ، ولا بد للأردن من احترام السياسة السورية طالما أنها لا تتضمن تدخلا في السيادة الأردنية...وكل ما يأمل به الشعبان الأردني والسوري من الحكومتين هو التوصل إلى علاقة مستقرة تسمح بالتعاون الاقتصادي والثقافي والاجتماعي والتنموي بدون الإضطرار إلى إيقاف هذه العلاقات كلما طرأ خلاف على الموقف السياسي.

زيارة رئيس الوزراء الأردني لسوريا كانت مفيدة جدا من حيث إعداد وثائق وتفاصيل للتعاون في مختلف المجالات ، ولكن التجربة علمتنا أن كل هذه الوثائق والمعايير يتم تجميدها فور ظهور خلاف على موقف سياسي وتبادل حملات إعلامية بين البلدين والتي تنعكس فورا على تعطيل أوجه التعاون المشترك ، وهي علاقة تشبه ما يتم بين شقيقين مراهقين يغاران من بعضهما البعض لا علاقة بين دولتين حديثتين تهتمان بمصلحة شعوبهما. ليس من المفيد توجيه أصابع الاتهام لجهة ما في تعطيل التنسيق والتعاون المشترك بين الأردن وسوريا ، فالمطلوب هو وجود قناعة مشتركة بضرورة وضع الخلافات السياسية جانبا والتركيز على منع الاختراقات الأمنية ولكن تسهيل التبادلات الإنسانية والتنموية والتجارية والثقافية بين البلدين وتجاوز العوائق البيروقراطية والسياسية يبقى الهدف الأول في مجال تحسين العلاقات الثنائية ، كما أفاد بذلك رئيس الوزراء.

لا أعتقد بأنه من قبيل المبالغة أن يأمل الشعب الأردني والسوري بتوصل الحكومتين إلى "نظام" من التنسيق يسمح بتعزيز العلاقات الثنائية ولا يخضعها لتداعيات الاختلاف في وجهات النظر السياسية وهي اختلافات سوف تستمر بين دولتين تختلفان في الكثير من المعايير والمبادئ السياسية والإيديولوجية ولكن ليس من الضرورة أن ينعكس ذلك على تجميد للفرص الكبيرة في التنسيق بين الشعبين والمؤسسات العامة والخاصة والمدنية في الدولتين لخدمة التطلعات السياسية والاقتصادية والثقافية المشتركة.