الغد

ليست صورة هزلية لكنها نوع من استخدام "الحق التاريخي" في احتكار المعرفة والحق، وافتراض أن الزمن قادر على فرض هويات متباينة للزمن، فعندما يصبح التعليم "شرعيا" تتباين المشاعر تجاه الفضيلة لأننا على الأقل ضمنا خيمة تراثية قائمة على أشلاء الحاضر، أو على عدم قدرتنا في رسم الفهم الجديد لزمن يتجاوزنا.

وعندما يصبح الجهل لونا من الاقتباس عن النصوص "الأصيلة" ويصبح الخطاب المعرفي أشبة بصوت صارخ في خطبة حماسية تفاجئنا أيام الجمعة فإننا لا نستطيع ان نقف دون حدود الانحياز للزمن الجديد، أو للوقوف على عتبة الانتقال نحو المستقبل لأنه أساسيا في داخلنا. فالمسألة ليست أولوية التعليم الشرعي، بل أحقية الحياة في أن تستمر بدلا من أن تتراجع نحو القرن الرابع ... وضرورة أن يبقى التعليم على مسافة واحدة من الجميع لأن المعرفة التي ستصبح لونا للمستقبل ... فالمسألة ليست معركة دين في مجال التعليم بل هي صراع ثقافي للمستقبل وللتلون الذي نريده مساحة لأطفالنا.

كنا نعتقد أن الكثير من الأمور حسمها الزمن، ومنها بقاء "الكتاتيب" ولكن بصورة جديدة، وكنا نعتقد أن زمن المرجعية التعليمية حسمت لصالح مؤسسات الدولة ولكن على ما يبدو أن البعض يريد سحب الثقافة الاجتماعية باتجاه الغموض القديم، أو أنه يسعى للإبقاء على "سلطة" النعرفة كحق أبدي بين يديه.
التطرف يبدأ من الاعتقاد بأن طرفا يحتكر الحق ... والتطرف يُخلق عبر جعل المعرفة طبقات مقسمة ما بين أئمة وعلماء وأولي الأمر .. بينما العوام عليهم أن يتبعوا وأن يبقوا داخل "الكتاتيب" ضمن ثنائية الاقتتال نا بين حداثة التعليم ومرجعياته التراثية ... وما بين سلطة المعرفة التي لا تجد سوى سلاح النص وبين اعتبار العقل الشرع الأعلى.

عندما نفكر بوحدة المجتمع فإننا لا نستطيع رؤية صور المستقبل إلا بعلمانية التعليم، لأنه في النهاية يكتب هويتنا في الألفية الثالثة بعد ان عجزنا عن رسمها في مراحل ما بعد الاستقلال. فمعركة التعليم مجالها اليوم خارج مساحة الدين، وإذا كان البعض يعتقد ان قيم الفضيلة موجودة داخل إطار الحلال والحرام وتلقينهم لأجيال تعيش عصر الاتصال فإنه يحاول أن يفرض غطاء وهميا على أجيال قادرة على الحياة رغم كل عصور الظلام الحالية.