نهرب من زمن التكفير .. يوم كان الحديث عن التقسيم والتوطين "خيانة" للحلم المرسوم من زمن أبو عباس السفاح، ثم نحاول الاقتناع بأن الحاضر يقدم التكوين الأمثل حتى ولو كان الثمن الدم المسفوح يوميا في شوارع بغداد ... وكيف انتقلنا من القدس إلى بيروت ثم بغداد؟!! إنه سؤال الفيدرالية الصعب.. هذا الحل الإعجازي الذي يطل كلما احتدمت الأزمة واختلفنا على تقاسم الولاية.

ربما لا يعتبر قرار تقسيم فلسطين حلا فيدراليا، لكنه أصبح تنظيرا يجسد مثالا لاقتسام الأرض والسلطة، وفي أوج الحرب اللبنانية برز الحل الفيدرالي والكونفدرالي، وفي نفس الزمن لاحت الكونفدرالية الأردنية – الفلسطينية واليوم هناك فدرالية عراقية ترسم على مساحة النار التي خلفها الاحتلال، وعلى امتداد الجغرافية والزمن فإن حصان الفيدرالية الأبيض يأتينا حاملا النموذج السويسري أو اليوغسلافي السابق أو حتى الأمريكي المستحدث.

عيب الفيدرالية أننا نريد تفصيلها على مقاسنا، فهي ليس حل تجميعي، بل هي تشريع للاختلاف وإرضاء لنهايات سياسية مفتوحة، فالمقاس الفيدرالي الشرق أوسطي لك يشكل حتى اللحظة ثقافة اجتماعية قادرة على استيعاب إرضاء التنوع بدلا من إعطاءه امتيازا فقط.

رفض الفيدرالية ربما يأتي من نفس المنطق لأنه إحساس بالتفوق، أو التخلي عن الامتياز .. ورفض الفيدرالية ليس فقط حالة شوفينية معاصرة بل هو أيضا خيال تراثي يسعى لتجميع مساحات لدولة إسلامية افتراضية، وربما يغض الطرف عن عصر الولايات والمماليك ودول الطوائف.

الجامع اليوم ليس الفيدرالية على الطراز العثماني أو المملوكي، لأنه في البداية يجب الاقتناع بضرورة الدولة المعاصر والقادرة على استيعاب الفيدرالية أو غيرها. ويجب الاقتناع بأن الدول كمظهر ثقافي للمجتمع لا يمكن أن تظهر على مراحل ما قبل الحداثة، لأن الفيدرالية على المقاس الماضوي مقدمة للتقسيم، والدولة الواحدة المركزية شكل استبدادي.

مشكل الفيدرالية هي في ليّ عنق المصطلح ليتوافق مع الماضي، فكيف يمكن أن نثق بدولة تقودها أحزاب تراثية أو طائفية أو حتى عشائرية؟! وخلاف الفيدرالية هنا يصبح رهين القناعات اللحظية بدلا من أن يستند إلى مؤسسة الدولة المعاصرة، وإلى الفهم الاجتماعي لهذه الدولة.

الحرب الأهلية الأمريكية كانت ضد الانفصال، وهي في نهاية نموذج فقط لأنها لم تنه صيغة الاتحاد ولم تحاسب الانفصاليين على رؤياهم ... والمثال ليس للتطبيق بل للقراءة ......