هل فوجئتم بحرص الإدارة الأميركية على «حق إسرائيل في الدفاع عن النفس»؟ وهل توقعتم أي تعليق رسمي أميركي آخر على العمليات الإسرائيلية في قطاع غزة، رداً على هجوم المقاومة الإسلامية، الذي أسفر عن قتل عسكريين وخطف ثالث؟

شخصياً، لم أفاجأ لأن الالتزام بإسرائيل كقضية أميركية «استراتيجية»، لا بل كقضية «داخلية» للولايات المتحدة، سياسة رسمية اعتمدتها واشنطن في مختلف العهود الرئاسية.

إبان الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي كان الموقف الأميركي المعلن، يزعم أنه يسعى إلى المحافظة على «التوازن» الاستراتيجي بين إسرائيل وأعدائها العرب. وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وانفراد الولايات المتحدة بزعامة العالم ما عاد ثمة حاجة لتكرار كلمة «توازن» في عالم انتهى فيه «التوازن»، فصارت واشنطن مهتمة بالمحافظة على «التفوق» الإسرائيلي على القدرات العسكرية العربية (طبعاً.. حيث وجدت!!).

نعم، علاقة واشنطن بإسرائيل تختلف جوهرياً عن كل ما يحكى عن «الصداقات» و«المصالح المشتركة» و«المنظور الواحد إلى قضايا الحريات وحقوق الإنسان» إلخ ..إلخ. وإسرائيل، حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا، باقية ركناً أساسياً للسياسة الأميركية الإقليمية، والقطب الأكثر تأثيراً فيها ضمن اعتبارات موازين القوى وحسابات المصالح داخل ردهات اتخاذ القرار في واشنطن. أما من يحاول الترويج لغير ذلك، فهو إما مقصر في فهم طبيعة هذه العلاقة أو رافض للفهم عن سابق تصور وتصميم. وانطلاقاً من هذا الواقع ينبغي النظر إلى المناخ السياسي العام في الشرق الأوسط، وإلى الخطة الأفضل والأصلح للتعايش معه.

صحيح أن مثل هذا الكلام ردده الساسة والإعلاميون مئات المرات.. ففقد قيمته. ولكن من الضروري التنبه إلى أنه لم تعتمد بعد أي سياسة جدية للتعامل مع إسرائيل سلماً أو حرباً خارج أطار خيار تسويغ الاستسلام للهيمنة الإسرائيلية المكفولة أميركياً.

منذ عام 1948 عندما بدأ مسلسل الحروب الارتجالية ضد إسرائيل، كان واضحاً العجز العربي البائس عن معرفة ماهية عدوهم. وهذا العجز مستمر حتى اليوم، سواء في معسكر المعتدلين المستعدين لعقد أي صفقة، وتحت أي شعار من منطلق التمني والكذب على الذات، أو الرافضين المقاومين الذين ما زالوا حتى في ما بينهم مختلفين على استراتيجية واحدة متجانسة ذات مصداقية للمقاومة الشعبية العامة داخل الأراضي الفلسطينية وخارجها.

وهكذا، بينما الجانبان لا يعرفان ما هو المطلوب لمنع الانجرار وراء رهانات خاطئة، نجحت إسرائيل حتى الآن في البقاء «القوة الأقليمية»، لا لأنها بلد الخوارق والمعجزات ولا لأنها تحظى بدعم أميركي وغربي لا محدود، بل لأن وضعها الداخلي، على ما فيه من تناقضات، أقوى من الحالة العربية المحيطة بها. بعنى آخر السبب المباشر للهيمنة الإسرائيلية هي أن العالم العربي «مخترق» (بفتح الراء) أمنياً وثقافياً واجتماعياً و«متخلف» سياسياً وعسكرياً. وهنا أتذكر كلمات إميل حبيبي، الأديب الفلسطيني الراحل والنائب الشيوعي السابق في الكنيست الإسرائيلي، عن أن «الإسرائيلي ليس سوبرمان.. لكن تخلف عالمنا العربي خلق عنه هذا الانطباع الذي قبلناه واقتنعنا به».

في حرب فلسطين 1948 اكتشفنا تخلفنا لأول مرة بعدما خدعنا أنفسنا بأننا صرنا دولاً مستقلة شبت عن طوف الاستعمار. ومن محنة فلسطين يمكننا كعرب استخلاص العبر لما ستحمله إلينا قريباً معضلاتنا الراهنة والمستقبلية.